Masala Sharqiyya
المسألة الشرقية ومؤتمر باريس
Noocyada
وللعودة إلى المسألة الشرقية من حيث العلاقات بين الدول الكبرى نقول: إن القيصر نيكولاس كان مغتبطا باتفاقه مع إنجلترا في أزمة 1839-1840 ضد محمد علي، فالانتصار على محمد علي كان انتصارا على فرنسا التي كانت تمثل في نظر القيصر كل ما يكره. فلقد طردت فرنسا الملك صاحب الحق الشرعي شارل العاشر، ووضعت محله لوي فيليب الذي أعلن وزراؤه العطف على الأماني البولونية - كانت فرنسا تمثل الثورة؛ ولذا رأى القيصر واجبا عليه الوقوف أمامها بالاتفاق مع إنجلترا، وبالاتفاق مع إنجلترا يمكن للقيصر الوقوف أمام الثورات التي تثيرها فرنسا في أوروبا.
كان القيصر يود لو استطاع عقد حلف «مقدس» مع إنجلترا ضد فرنسا وضد الثورة، ولكن إنجلترا بينت له أن برلمانها لا يقر مثل هذه المحالفات، وعدل نيكولاس مطلبه بعقد اتفاق مع إنجلترا ضد فرنسا، إذا قام الفرنسيون بحرب ثورية، ولكن رد بالمرستون كان صريحا بأن إنجلترا لا يمكنها اتباعا للخطة التي وضعها كاننج التدخل في شئون الدول الداخلية إلا إذا عملت هذه الدول على الإخلال بالتوازن الدولي، وأضاف بالمرستون إلى أن الحكومة الإنجليزية لا تستطيع إقرار تفاهم سري لا يعرف عنه البرلمان شيئا.
حاول نيكولاس ذلك الأمر مع إنجلترا مرتين أخريين أو ثلاث، المرة الثانية كانت في سنة 1844 مع لورد أبردين
Aberdeen ، حين زار القيصر إنجلترا وأدخل عنصر المسألة الشرقية، فبين «أن إنجلترا وروسيا لهما مصلحة في المحافظة على الحالة الراهنة في تركيا، في استقلالها وفي حماية ممتلكاتها، ولكنه من الصعب إقناع الحكومة التركية بحسن معاملة رعاياها المسيحيين إلا إذا اتفقت الدول، وأن الدولة العثمانية تحوي كثيرا من عناصر الانحلال، وأنه يمكن التعجيل بسقوطها، ومن هنا كان على الدولتين التفاهم والاتفاق إذا حلت الكارثة».
هكذا وضحت مذكرة المستشار الروسي نسلرود، ولم يجد أبردين مانعا من قبول هذه المذكرة، خاصة وأن النمسا وروسيا قد وافقتا عليها في منشنجراتس
Münchengrâtz ، ولو أن أبردين قبل فكرة القيصر إلا أن موقف إنجلترا كان فيه شيء كبير من الحيطة، فإنجلترا لم تكن تعتقد في ذلك الوقت أن الدولة العثمانية على وشك السقوط، ولم ترد تبادل الآراء في هذا الموضوع، وفي الواقع لم تعرض مذكرة نسلرود لا على مجلس الوزراء ولا على البرلمان.
وحين جاء بالمرستون إلى وزارة الخارجية في 1846 لم يكن مستعدا لقبول مثل هذه الأفكار الروسية، بالرغم من محاولته توطيد الصداقة بينه وبين الحكومة الروسية، وإن لم يكن كذلك موافقا على تدخل الروس في ولايتي الدانوب ولا على تأييد الروس للنمساويين في مسألة اللاجئين المجريين والبولونيين، بل بين لروسيا والنمسا بأنه سيؤيد تركيا في رفضها للإنذار الذي قدمتاه؛ الأمر الذي أدى إلى انتهاء هذه الأزمة بسلام.
كان بالمرستون يسعى دائما إلى إقناع الأتراك بالاستمرار في سياسة الإصلاح، واستمرت علاقة بروسيا ودية بعد انتهاء أزمة سنة 1849، وإن كان قد أخذ يعود إليه شكه في سياسة القيصر الروسي، وفرح الروس كثيرا لسقوطه في سنة 1851، وتنفسوا الصعداء، فالسفير الروسي في الآستانة برونو
Brunnow
كان يرى فيه عدوا كبيرا لروسيا، ومقلقا للسلام الأوروبي، ومثيرا للاضطرابات الثورية، وازداد التقارب بين روسيا وإنجلترا في سنة 1852 ولم يسئ النزاع على الأراضي المقدسة إلى العلاقات الإنجليزية الروسية، وإن كان قد أساء كثيرا إلى العلاقات الروسية الفرنسية. حاول القيصر جاهدا توكيد علاقاته بإنجلترا وعزل فرنسا من الناحية السياسية.
Bog aan la aqoon