الفصل السابع عشر
الهند المغولية
حين غزا المغول الهند كانت منقسمة ممالك ودويلات متدابرة، فقد سقطت الإمبراطورية الخالجية في عهد محمد تقلق وانقسمت دويلات، وكانت سلطنة الأفغان في دلهي تكاد تكون محصورة في أسوار المدينة، وكان الملك الهندوسي فيجاياناجار سيدا عند نهر الكستنا ومهددا جيرانه في الدكن؛ أي أن كل شيء كان مهيئا تقريبا لدخول غازجور كبابور، وكانت الديانة الهندوسية لا تزال تتسع لقبول آلهة جديدة، ومتأهبة لتلقي أشكال جديدة في العبادة والطقوس تبعا لتغير الظروف، ومن ذلك عقيدة البهاكتي التي ظهرت في الهندوسية قبل أن يظهر بابور بقرن واحد (راجع سيرس. رادها كريشنان الأستاذ في جامعة كالكاتا في محاضرات أينون، طبعة أكسفورد 1926، والنظرة الهندوسية في الحياة ص46 طبعة لندن، وص2 من كتاب حكم ماجهال في الهند، تأليف إدواردس وجاريت).
فقد وصفت الهندوسية في هذه المراجع بأنها حركة؛ أي أنها ليست بالمركز الثابت، وأنها شيء يعمل، وليست نتيجة، وإن لبثت آراؤها الأساسية غير متبدلة منذ عهد الفيدا فقد كان من أثر الاحتكاك بالدرافيديين المتحضرين في الجنوب ما جعل الفيدا ديانة متعددة الآلهة، كذلك كان الإسلام وكان اتصال الهندوس بالمسيحية والآراء الأوربية العصرية من بواعث صبغ الديانة الهندوسية بصبغات وأشكال جديدة، وضحت في القرون الأخيرة إلى القرن العشرين.
بابور
ولد ظاهر الدين محمد الملقب ببابور (النمر) في 14 فبراير 1483 في فيرجهانا في دار إمارة والده في وادي جاكسارتس المعروف الآن باسم «خوقند» وهو يمثل العنصرين التركي والمغولي من شعوب التتر، وبين أسلافه فاتحان عظيمان؛ أحدهما «تيمور» من ناحية والده، وثانيهما «جنكيزخان» في أسرة والدته.
وحين كان بابور في الثانية عشرة، خلف والده وطرد من فيرجهانا مخفقا في العودة إليها. وفي 1504 حين بلغ الواحدة والعشرين استولى على كابل مناديا بنفسه ملكا عليها، وبعد أن مضى على هذا خمس عشرة سنة ظهر في الهند إلى أن وصل إلى نهر جهيلوم، معاملا سكانها وهم رعاياه معاملة جده تيمور لها، مفترقا عنه في تحريم سوء المعاملة ومنع الجنود من السلب. ويؤخذ من الجزء الثاني «من مذكرات بابور» التي كان يدونها بنفسه يوميا في 1519 بالتركية التي ترجمها إلى الإنجليزية ليدين وأرسكين،. أن بابور يذهب إلى أن سكان الهند وخاصة الأفغان حمقى، فاقدي الشعور، قليلي التفكير، قصيري النظر، ليس في مكنتهم أن يثابروا على القتال، ولا أن يدوم الإخاء والصداقة بينهم.
وفي 17 نوفمبر 1525، زحف بابور على طريق جلال اباد إلى الهند حين هزم السلطان اللودي ملك دلهي دولت خان، حاكمه الخائن في لاهور، وهو الذي أبدى الخضوع إلى بابور، الذي واصل الزحف إلى سهل بانيبات، التي دارت فيها معركة واجه خلالها جيش بابور البالغ عشرة آلاف، مائة ألف جندي أفغاني و100 فيل، غير أن قوة جيش المغول في المدفعية سدت نقص عددهم، وقد ورد في الجزء الثاني من ترجمة مذكرات بابور ص181-188 عن هذه المعركة أن السلطان إبراهيم كان صغير السن قليل التجربة، متراخيا في جميع حركاته، فكان يسير في غير نظام، ينسحب أو يقف من غير خطة مرسومة، ماضيا في المعركة في قصر نظر. أما بابور فكان يمضي في القتال وفقا لأساليب العثمانيين الأتراك الذين كانوا يومئذ أقدر قوة عسكرية تقوم على إعداد الخطة قبل القتال بوقت كاف، والثبات في المواقف مع مرونة التحركات. وقد بدأت المعركة في فجر 21 أبريل بهجوم شنه السلطان إبراهيم الذي قوبل بطلقات البنادق ونيران المدفعية وتصويب السهام، وعند الظهر كان جيش إبراهيم قد هزم هزيمة تامة فتعقبت فرسان بابور فلوله، واستولى بابور على دلهي وأجرا التي اتخذها عاصمته الجديدة قامعا فتنة بدت في جيشه الذي أراد أفراده العودة إلى وطنهم، مقنعا الحكام الأفغانيين بالخضوع له وديا.
وفي 16 مارس 1527 هزم الجيش العظيم الذي ألفه اتحاد راجات شمالي الهند بقيادة رانا سانجراما سنج ملك ميوار مستوليا على قلعة شانداري، ومن ثم استطاع بابور أن يؤسس إمبراطورية امتدت من الأكسوس إلى حدود البنغال، ومن سفح الهيمالايا إلى جوليور، ثم مات في 24 ديسمبر 1930 قبل أن يتم السابعة والأربعين ودفن في حديقته في كابول. وقد امتاز بالشجاعة والقيادة اليقظة وبقوة الشخصية وبمرحه في ساعات الخطر وامتلاكه زمام أعصابه وجيشه حيال الكوارث، كان جيشه صغيرا ولكنه كان يغلب ما يفوقه عشرة أمثال. وكان بابور إلى هذا يقرض الشعر الرفيع بالفارسية، مالكا ناصية لغته التركية، موسيقيا بارعا يسعه أن يضم تحت كل ذراع من ذراعيه رجلا ثم يتسلق حاجزا من حد إلى آخر، وكان صيادا وماهرا في استعمال السيف والرمح، لم يكن قاسيا بالنسبة إلى عهده. وكان مستمسكا بتعاليم الدين الإسلامي حريصا على تأدية فريضة الصلاة وعلى انتشار الإسلام وخذلان الهندوسية، يعفو عن المسيئين والخائنين المرة بعد المرة، وكان شكله جذابا لطيف المحيا مفتر الثغر طبيعيا لا تكلف فيه مهذبا حلو الحديث، وكانت علاقات بابور وخلفائه ودية مع الأسر المالكة الإسلامية في إيران وتركيا، وحكمهم لمصلحة الهند كلها مسلميها وهندوسيها مطبوعا بطابع السلطة الزمنية.
بعد بابور
Bog aan la aqoon