تغلبت على الهند الحكومات، وقامت بين أمرائها وملوكها الحروب، وتدخل الأجانب المجاورون في الشمال الغربي أو في الشمال من ناحية الصين، وقد برز الكوشيون في تاكسيلا حول 79ب.م. وقد حل محل ملكها كوشانا وهو القائد الظافر فيماكارفيزيس الملك العظيم، ملك الملوك وابن الآلهة - ملك آخر يدعى كانيشكا ثالث ملوكهم، ويبدو أن سيادة الكوشيين قد امتدت إلى مملكة الهندوس السفلى في 89 ميلادية، وقد ظهر اسم «ساكا» في عهد كانيشا في 78 ميلادية، وقد حكم الساكيون والباهلفاس ممالكهما جنوبي الهندوس تحت السيادة الكوشانية، وسرعان ما أصبح الساكيون هندوسيين واتخذوا لأنفسهم أسماء هندية.
أما اتصال القوة الكوشانية بالصين في 90م فلم يؤثر في سائر الهند. على حين أنه حين أيد الملك كانيشا البوذية، صارت الإمبراطورية حلقة الاتصال بين الهند وبين الصين؛ مما كان من أثره انتشار البوذية في الصين والشرق الأقصى، وظهور ألف باء والثقافة الهنديتين ولغات الهند في التركستان الصينية، وكذلك ظهر مذهب جندارة في الفن في عهد الساكيين في الشمال؛ مما أدى إلى اتساع ألوان الحفر في الفن البوذي في الشرق، هذا وقد أقام «كانيشا» ديرا في عاصمة «بوراشابورا» «بيشاوارا» التي بقيت إلى القرنين التاسع والعاشر مركزا للتعاليم البوذية، وبعد أن جلس كانيشا على العرش بين 25 أو 30 سنة خلفه هوفيسكا الذي أبقى صلة بلاده بالإمبراطورية الكوشانية في الهند وبالممالك الصينية في كاشجا ويارقند وكوتان، كما أنه كان بوذيا أنشأ ديرا في ماثورا، ثم خلفه فازوديفا الذي يبدو أنه كان ينزع إلى ديانة الأمة التي غلبت بلاده وقد كان عهده طويلا.
على أن الإمبراطورية قد تقوضت دعائمها في نهاية حكم فازوديفا في 226. ثم إن الملوك الكوشانيين لبثوا يحكمون في كابل إلى أن جاء غزو الهون في القرن الخامس، فمنذ يومئذ انقسم الشمال الغربي ممالك مستقلة. هذا وهناك اختلاف بين المؤرخين في تحديد تواريخ قيام الإمبراطوريات وعهود الملوك، كما يبدو من مراجعة كتابي تاريخ الهند الأول وتاريخ الهند طبعة أكسفورد الذي راجعه س. م. إدواردس، وقد ساد الظلام الحالك تاريخ الهند بعدئذ، إلى أن بدأ القرن الرابع الميلادي بتأسيس الإمبراطورية الهندية العظيمة في باتاليبوترا، على إثر جلوس «شاندرا جويتا موريا» على عرش ماجاده حين قتل سيده وقضى على أسرته. ذلك أن شاندرا جويتا قد أسس في 318 أو 320 أسرة جويتا بمعونة قرينته، فقد سك النقود باسمه واسم الملكة واسم عشيرتها ليكشهافي التي استولت على باتاليبوترا بعد السونجيين. وقد وسع شاندراجويتا ملكه في وادي الجنج إلى التقائه نهر جومنا؛ أي تيرهوت وبيهار وأوده، وقد خلفه بعد ست سنوات ابنه سامودرا جويتا الذي زاد مساحة ملكه، فشمل المملكة التي بين جومنا وأنهار شامبال في الغرب والهوجلي في الشرق وسفح هيمالايا وخط نهر ناربادا إلى الشمال والجنوب، وقد أكره على الاعتراف بسيادته أحد عشر ملكا في الجنوب وتسعة في الشمال ورؤساء قبائل الغابات وحكام ممالك الحدود ورؤساء جمهورياتها. ويبدو مما كتبه ف. ا. سميث في تاريخ الهند الأول ص248 و250 أن سامودرا جويتا قد تولى الحكم في 326م، وأتم غزواته الكبرى في 340. على أنه لم يحاول أن يضم ما غزاه من ممالك الجنوب إلى إمبراطوريته، إذ عاد من طريق غربي الدكن ولم يصل حكمه إلى البنجاب، وقد استمرت الإمبراطورية التي أنشأها خمسة قرون، وقد دونت معاركه الحربية في أحد أعمدة آزوكا الباقية الآن في قلعة الله آباد.
وبعد الحروب التي خاضها أخذ يرعى الأدب والفن فقد كان هو شاعرا. ويبدو أن سيطرة جويتا وعهد هارشا، كانا العصر الذهبي للأدب الهندوسي. ولئن كان ف. أ. سميث في كتابه «تاريخ الهند الأول ص254» يقول: إن هذا الإمبراطور قد مات حول 254، إلا أن هذا غير محقق. وقد خلفه ابنه الذي اتخذ اسم شاندرا جويتا الثاني وأضاف إليه «فيكرامايتيا»؛ أي ابن القوة، وقد وسع الإمبراطورية في كل مكان عدا الجنوب، وقد دونت معاركه على العمود الحديدي في دلهي وهو يدل على إجادة صهر الحديد وعدم صدئه ووضوح كتابته.
الفصل الحادي عشر
حملة الإسكندر على الهند
في شتاء 327ق.م. اتخذ الإسكندر طريق بلاد أفغانستان طريقا لمواصلاته، كما أوضح هذا روبنسون في كتابه «أفيميريدس»، وماك كريندل في الفصل الخاص بالهند القديمة في كتابه «الأدب الكلاسيكي». وكان عدد جنود الإسكندر 30 ألفا مؤلفة من أبناء شعوب مختلفة من تراقيا إلى الهندوكوش، وكان عمود الجيش الفقري الكتائب المقدونية وفرسان اليونان، وكان الإسكندر، حين غزا الهند، قد قوض الإمبراطورية الآرية في إيران، وفي ربيع 326ق.م. بدأ حملته على بلاد الهند العديدة الممالك والإمارات التي نهضت للدفاع عن نفسها أمام الغزو المقدوني، وحين عبر الإسكندر نهر الهندوس، بادر أمبهي ملك تاكسيلا ورئيس التعاليم البرهمية إلى إهدائه عددا من الفيلة والفضة وقطعان الغنم والثيران، كما دعاه إلى زيارة المملكة التي كان الداعي سيدا أعلى لها. ثم إن الإسكندر سار من تاكسالا إلى قوم البيروس الذين نهضوا للدفاع عن خط نهر مايداسبس بقيادة ملكهم المسمى بوروس. وقد انتصر الإسكندر في موقعة جلال بور على ضفاف نهر جهيلوم. وكان جيش پوروس في الموقعة التالية مؤلفا من 200 فيل في الوسط، و300 مركبة في الجناحين وإلى جانبها 4000 فارس وقد هزم جيش پوروس. على أن حكمة الإسكندر قد قضت بأن يعيد هذا الملك إلى مملكته تحت سيادة الإسكندر، ثم سار الإسكندر إلى هايفاسيس.
ولأسباب تباينت الروايات فيها كما يبدو مما كتبه ف. ا. سميث ص71-78 من كتابه «التاريخ الأولي للهند» ومما ذكره ماك كريندل في كتابه «غزو الهند على يد الإسكندر الأكبر»، أن الإسكندر قد وقف زحفه بعد وصوله هايفازيز «البيز»، وعلى هذا قد تكون أوبة الإسكندر من هناك ترجع إلى قوة مملكة الماجاده الهندية في السهل العظيم، وهو بؤرة الهند التي كان يتقرر مصيرها عنده، أو أن قواته المقدونية قد أبت المضي في زحفها بعد الذي واجهته من الأهوال. وقد وصل الإسكندر إلى المدينة التي أنشأها وأطلق عليها اسم جواده الذي دفن فيها، واسمه «بوسيفالا» التي يرجح أن يكون في موقعها مدينة جالاپور. ثم أخذ الإسكندر يتفق مع فيشيا في سبيل إنشاء مستعمرات يونانية على حافة الإمبراطورية إلى أن بلغ ساحل خليج العجم في 325ق.م.
هذا وقد وصف حملة الإسكندر على الهند نيركاس قائد أسطوله كما يبدو مما يشير إليه أريان. كذلك دون عشرون مؤرخا يونانيا تاريخ هذه الحملة. ومما يدعو إلى الأسف أن هذه المدونات قد ضاعت، ولم يبق منها إلا مقتطفات أوردها الكتاب العصريون أمثال ماك كريندل في كتابه سالف الذكر. وقد مات الإسكندر بعدئذ في بابل، وتفرقت إمبراطوريته، وقد بقي من آثار حملته ما تم من الاتصال بين الممالك اليونانية في غرب آسيا وبين الهند، التي لبثت بمعزل عن تدخل الأوربيين إلى أن جاء فاسكودي جاما الكاشف الكبير عابرا بحر العرب غرب الهند ومقيما عمودا من الرخام في كاليكات في 1498م.
الفصل الثاني عشر
Bog aan la aqoon