وإذا لم تسجل العصبة نتيجة هذه التجربة والدرس الذي يستفاد منها؛ فإنها تكون أول من يهدم الأغراض السامية التي تعمل لها.
وقد انتهكت الحبشة جميع المعاهدات، وهي خطر داهم لإيطاليا؛ إذ هي تهدد مستعمراتها الأفريقية.
وقد جرت الحبشة بمسلكها إلى خروجها على العصبة وميثاقها، وأظهرت عدم جدارتها بثقة عصبة الأمم عند قبولها بين أعضائها، وإذا احتجت إيطاليا على مثل هذه الحالة فإنها تدافع عن كيانها ومركزها وكرامتها، وهي تدافع أيضا عن سمعة وكرامة عصبة الأمم.
حالة إيطاليا ومعاقبتها اقتصاديا
إن العقوبات الاقتصادية التي توشك إيطاليا أن تواجهها تكاد تطبق من الآن؛ لأن طبيعة الحالة الاقتصادية في إيطاليا تستدعيها، ففي الميزانية الإيطالية الحالية عجز يبلغ نحو 35 مليون جنيه وفاقا لتقدير الحكومة، ويقدر أدنى حد للنفقات التي تقتضيها الحملة العسكرية الإيطالية في أفريقيا الشرقية بنحو مائتي مليون جنيه، ولدى إيطاليا الآن بعض هذا المبلغ وهي تنفق منه على الحملة.
1
وقد جعلت استيراد الفحم والقصدير والنحاس والنيكل احتكارا للحكومة، وألفت عشر هيئات تجارية من الفاشستي لتنظيم استيراد المواد الأولية وتوزيعها، ووضعت يدها على ما يمتلكه الإيطاليون في الخارج من الاعتمادات الأجنبية وأعطتهم عملة إيطالية بدلا منها، وجعلت تستخدم تلك الاعتمادات في شراء المواد الأولية واللوازم الحربية، وحاولت أخيرا أن تبيع جزءا مما تملكه من سندات الحكومة الفرنسية في باريس؛ فخشيت الحكومة الفرنسية نزول هذه الأسهم، واضطر بنك فرنسا إلى عقد قرض صغير لإيطاليا مقابل تلك السندات لكي يصون سعرها.
وقد عمدت الحكومة أخيرا إلى الذهب الاحتياطي الموجود في بنك إيطاليا وجعلت تستخدمه في شراء المواد الأولية والمعاهدات الحربية من الخارج، وعندما نزل هذا الاحتياطي إلى الحد القانوني اللازم لغطاء العملة - وهو 40 في المائة - وضعت قانونا بإلغاء هذا الحد، ثم سحبت العملة الفضية الموجودة في التداول، وتبلغ قيمتها الاسمية 1635749000 ليرة إيطالية، وجعلتها غطاء لورق النقد، وأصدرت بدلا منها ورقا جديدا.
ومن المتوقع من الآن أنه إذا قامت إيطاليا بما يخل بميثاق العصبة فلا بد أن نشهد احتلالا بريطانيا للقسم الغربي الأقصى من الحبشة؛ أي من بحيرة رودلف جنوبا إلى بحيرة تانا شمالا، بحيث يتناول هذا الاحتلال المنطقة الغنية الوحيدة المتاخمة لكنيا، ويشمل مناجم الذهب والنحاس والبترول الهائلة. أما كل ما بقي من أراضي الحبشة فإنه يكون ميدانا للحرب مع إيطاليا، وهي باعتراف جميع الخبراء ستكون من أشق الحروب بالنسبة لإيطاليا.
وفي هذه الحالة تعرض مسألة على جانب عظيم من الأهمية؛ وهي مسألة الخط الحديدي بين جيبوتي وأديس أبابا، والمعروف أن هذا الخط من المشروعات الفرنسية، والطريق الوحيد الذي يجعل للحبشة منفذا إلى البحر. وهذه المسألة تعرض من نواح ثلاث: «الأولى» ناحية المصالح الفرنسية و«الثانية» ناحية مصلحة الدول والإنسانية، «والثالثة» ناحية العلاقات بين فرنسا وإيطاليا.
Bog aan la aqoon