ومن الغريب أن المشتغلين بهذه الأنواع لم يسلموا من أذاها، وإذا علمنا أنه لغاية سنة 1920 لم يتمكن العلماء من حبس هذه الغازات حبسا تاما داخل أسطواناتها المصنوعة من الصلب تبين لنا خطرها الذريع.
وقد دلت الإحصاءات على أن عشر العمال الذين كلفوا بتعبئتها في صناديقها أو تعليقها أسفل الطائرات أصيبوا من ويلاتها، حتى العلماء أنفسهم لم يسلموا منها.
وقد فهمت من الخبراء بأن القنبلة إذا سقطت مثلا فوق عمارة سقوفها من الأسمنت المسلح من ارتفاع 20000 قدم مثلا، فإنها تخترق ثلاثة سقوف فقط قبل أن تنفجر، وأن انفجار القنابل يكون دائما إلى أعلى.
ولو كان في الأمر عزاء، فهذا في حيرة جميع الدول في إيجاد نظام كاف ومعقول للوقاية من هذه الغازات، ولا عبرة مطلقا بأية تعليمات صدرت للآن؛ فجميع إرشاداتها ناقصة للاعتبارات السابقة، وإنها وإن لم يقصد بها التضليل طبعا إلا أن الفائدة المرجوة منها ضئيلة تستلزم المجهود الجدي لجعلها ذات قيمة.
وكيف يتصور إنسان أن أي أمة تستطيع تدريب أفرادها على لبس كمامات يتحمل أصحابها دفع 150 قرشا عن كل واحد؟!
وإذا أمكن هذا المستحيل، فما الرأي في مصر والفلاح مثلا يقدر ماشيته بما قد علمنا والحوذي والعربي يقدر جواده وجمله بما هو معروف، وربما كان لهم العذر.
وهل نحن في مصر على استعداد للمجازفة بقدر كبير من المال دون التأكد من صلاحية هذه الكمامات؟!
لقد كان الخطر عظيما ومحققا في حالة الإغارات بالغازات السامة على الجنود في الخنادق.
فقد كانت هذه السموم تتخللها وتمكث فيها زمنا طويلا لعمقها ولعدم نهوضها، فكان لا بد من استعمال الكمامات لدرء خطر السموم التي تصيب المسالك الهوائية بأبلغ ضرر.
ومع كثرة الغارات الجوية على لوندرة كان ضررها على المدينة تافها في سني الحرب، وربما كان الألمان يرمون إلى إضعاف الروح المعنوية عند الشعب وإذلاله، فيضطر الحكومة إلى إنهاء الحرب بأي ثمن.
Bog aan la aqoon