تشابِهُ الإئسانيّةَ التي في هذا، فهذا معنى قولِنا: اتَّفَقا في الإنسانيّة، وهُما متَّفقانِ في الإنسانيّة، أو مشتركانِ في الإنسانيّة، فإنَّ التَّشابهَ والتَّماثلَ والاتِّفاقَ والاشتراكَ في هذا الموضعِ يُرادُ بها شيءٌ واحدٌ، فهذا الإنسانُ يوافِقُ هذا ويشابهُهُ ويُماثلُهُ (١)، ويشاركُهُ في أنَّهُ إنسانٌ، فهذهِ الإنسانيّةِ مثلُ هذه، ليسَ المرادُ أنَّ إنسانيّةَ زيدٍ الموجودةَ في الخارجِ هيَ بعينِها إنسانيّةُ عمرٍو الموجودةُ في الخارج، فإنَّ هذا مكابَرةٌ للحِسِّ لا يقولُهُ عاقلٌ؛ فإنَّ إنسانيّةَ كُلِّ إنسانٍ صفةٌ لهُ قائمةٌ به، وصِفةُ الموصوفِ لا تقومُ بغَيرِه، فكما أنَّ هذا الإنسانَ ليسَ هوَ هذا الإنسانَ، بَلْ هوَ نظيرُهُ، فكذلكَ هذهِ الإنسانيّةُ ليسَتْ هذهِ الإنسانيّةَ في العَينِ والشَّخص، بَلْ هيَ نظيرُها.
وكذلكَ إذا قيلَ: الإنسانُ والفرَسُ يَشتركانِ في الحيوانيّة، فالمرادُ بهِ أنَّ في هذا حيوانيّةً تناظِرُ الحيوانيّةَ التي في هذا، فهُما جِنسٌ واحدٌ يَجمعُهما الحِسُّ والحرَكةُ الإراديّةُ، ليسَتْ حيوانيّةُ الإنسانِ هيَ بعَينِها حيوانيّةَ الفرَس، ولا إحساسُهُ إحساسَ الفَرس، ولا حركتُهُ الإراديَّةُ حرَكةَ الفرَس، بَلْ ولا حيوانيّةُ فردٍ مِنْ أفرادِ الإنسانِ والفرَسِ هيَ بعينِها حيوانيّةَ الآخر، ولا إحساسُ هذا الإنسانِ هوَ إحساسَ هذا، ولا حرَكتُهُ هيَ بعينِها حركتَهُ، كما أنَّهُ هوَ في نفسِهِ ليسَ هوَ ذلكَ بعينِه، ولكنَّ الواحدَ يُقالُ على الواحدِ بالنَّوعِ والواحد بالعَين، فإذا قيلَ: الحيوانيّةُ واحدةٌ، والإنسانيّةُ واحدةٌ، وهذهِ الحيوانيّةُ هيَ هذه، وهذهِ الإنسانيّةُ هيَ هذهِ؛ كانَ المرادُ بذلكَ الواحدِ بالنَّوعِ والوحدةِ النَّوعيّةِ ليسَ المرادُ الواحدَ بالعينِ ولا الوحدة العَينيّةِ.
_________
(١) في المخطوط تكررت كلمة (ويماثله).
1 / 21