فقال رضا حمادة: وفي الانتظار الإخوان والشيوعيون.
فقال زهير كامل بحدة: لا أغلبية لهؤلاء أو أولئك.
فقال سالم جبر: الوطن غير مؤهل للشيوعية ولا عقيدة هناك جديرة باستيعاب الشباب المتفتت بين الثورة والانحلال!
وقامت ثورة يوليو متحدية كل تخمين. وسرعان ما وجد زهير كامل نفسه في مأزق لم يعمل له حسابا، أغلقت دونه أبواب السياسة والجامعة، وتحير ماذا يفعل وماذا يكتب. ولما اتجهت السياسة العامة نحو تصفية الأحزاب، وتركز الهجوم عليها بصفة عامة، وعلى الوفد منها بصفة خاصة، باعتباره القاعدة الشعبية القديمة؛ إذ بالدكتور يرمينا بالمفاجأة الثانية في حياته، فانقض بمقالات من نار على الوفد مرجعا إلى فساده كل فساد نخر في عظام الوطن. وأثارت المقالات عاصفة من الغضب المكتوم في صدور الوفديين، ولكن أحدا لم يستطع أن يقلل من خطورتها لصدورها من رجل له تاريخه الجامعي الوقور، فضلا عن اشتراكه في برلمان الوفد الأخير، وتعين صحفيا في إحدى الجرائد الكبرى، وسرعان ما اعتبر قلمه من أقلام الثورة، كما عهد إليه بتحرير صفحتها الأدبية فقاد نقد الأدب المعاصر. وبسبب مسئولياته الجديدة، وربما خجلا من انقلابه المفاجئ تجنب إلى حين التردد على صالون الدكتور ماهر عبد الكريم. وتساءل الدكتور ماهر: ألم يكن الأفضل له أن يبقى في الجامعة؟
وتساءل الأستاذ رضا حمادة: أرأيت ماذا فعل الوغد بنفسه؟
فقلت: لعل عذره أنه فعل ما فعل لحساب قوة وطنية لا شك في وطنيتها.
وعاد زهير كامل للظهور في مجالسه المفضلة؛ كصالون الدكتور ماهر عبد الكريم، ومكتب سالم جبر، فعدنا للتلاقي المنتظم كما كنا، وعاودت الاطلاع على فؤاده. قال: لم تكن ثمة جدوى من المقاومة، ولم أقاوم؟
وقال أيضا: كنت على وشك الإفلاس، ولكن لم يكن المال وحده هو الدافع فأنا مطمئن الضمير!
فقلت: إذن فأنت تؤمن بثورة يوليو؟
فقال وهو يتفحصني بعينيه الذكيتين: إنها حركة مباركة منعت بقوتها الذاتية اشتعال ثورة لاحت مخالبها في الأفق! - يا لها من فكرة! - وأعترف لك بأنني لست ثوريا، فكما لا أوافق على رجعية الإخوان؛ فإني لا أوافق أيضا على ثورية الشيوعيين، وأومن بالإصلاح الرزين الذي نتأثر خطاه، وهو طريق الوفد أيضا لو قيض لجناح شبابه أن ينتصر.
Bog aan la aqoon