ونشأت بيني وبينها مودة عميقة، وكما أقنعتني بفنها، أقنعتني بأمومتها الصادقة لابنين، ولكنها بدت أقدر على الصداقة من زوجها الذي لا يحب الارتباط، والذي يحضرنا بجسمه على حين يغيب بروحه عن الزمان والمكان. وكانت مثقفة جدا، وتعتبر هي وزوجها من ذوي الميول اليسارية، ولكنها كانت تشعرني دائما بقوتها بخلاف زوجها الرقيق، القشة التي تتلاعب بها أخف الرياح. واصطحبت معي الأستاذ يوسف بدران محرر إحدى الصحف الفنية إلى بيتهما بناء على اقتراح منها، فلاحظت أنهما تفاهما تفاهما روحيا عجيبا وسريعا، وأنهما تبادلا احتراما ومودة.
وذهبت يوما لزيارة يوسف بدران في شقته بشارع قصر العيني، وجلسنا نتحادث وأنفاسه تتردد على وجهي معبقة برائحة الخمر، وما لبث أن فتح باب حجرة النوم فخرجت منه عزيزة عبده مرتدية إحدى بيجاماته! دهشت وارتبكت ولكني واجهت الموقف باللغة المناسبة فتظاهرت بعدم المبالاة، وشجعتني على موقفي بضحكاتها العذبة، وحديثها الطبيعي، وكانت أنفاسها تنفث أيضا شذا الخمر.
وتكلمنا في شئون كثيرة أما وجودها في الشقة بالحال التي وجدت عليها فمضى دون ضوء أو تفسير كأنه حقيقة مسلم بها، وقال لي يوسف بدران فيما بعد: هكذا وقع الحب علينا من السماء!
فقلت له: أنت تحب الغزل! - ولكنها كانت البادئة.
فرميته بنظرة شك فقال: صدقني، وسيطرتها أقوى من جمالها. - تحبها؟ - هي تحبني وفي ذلك ما يكفي. - وأنت؟ - هي كنز لا يستهان به ولكنها لا تعكس الأسلوب الذي أعشقه! - وزوجها؟ - ولا أهمية له في الموضوع!
والتقيت بها بعد ذلك في صالون جاد أبو العلا، وكانت وحدها إذ كان زوجها في الإسكندرية، فطلبت مني أن أوصلها إلى بيتها، وسرنا معا في الطريق فإذا بها تقول: أنا حريصة على صداقتك.
فقلت بصدق: وأنا حريص على صداقتك. - ولا صداقة بلا احترام. - وإني أحترمك. - أكاد أقرأ في نفسك تساؤلات محيرة. - لست قليل الخبرة كما قد تظنين. - ولكن قد يبدو لك زوجان شاذين لنظرتهما المغايرة للدنيا والحرية؟ - لا أظن. - أنا لم ولن أمارس الخيانة! - لا تسيئي الظن بفهمي يا عزيزتي.
وحدثتني عن ماضيها فقالت إنها التحقت بالمدرسة الثانوية، وهي مزودة بإرشادات أمها الطيبة المرددة لصوت الجيل السابق، ولكنها سلمت نفسها لأول شاب بادلها الحب، وهي تظنه سيفي بوعوده، ثم كررت ذلك مرارا، بدافع الثورة حينا، وبدافع اللهو حينا آخر، وبدافع الحب في بعض الأحوال. - وكنت أشعر بالخوف أحيانا، ولكني لم أشعر بالندم قط.
وتوقفت عن السير متأثرة ثم قالت: أصبحت سيدة نفسي، وتحديت العالم كله، بكل قيمه التي لم أعد أومن بها.
وواصلنا السير وهي تقول: وآمنت دائما بأنني نقية مثل الأوكسيجين.
Bog aan la aqoon