وليس غريبا أن يمتلئ قلب هذا الرجل والذين لاذوا به حقدا وحسدا للنبي ومن جاء معه من المهاجرين ومن اتبعه من الأنصار من الأوس والخزرج جميعا.
وليس غريبا - حين ظهر الإسلام في المدينة وفشا في أهلها - أن يضطر هؤلاء الناس إلى أن يسلموا فيمن أسلم، لم يكونوا يستطيعون مقاومة؛ لأن الإسلام كان قد دخل في كل دار من دور الأوس والخزرج، ولم يكونوا يستطيعون أن يخرجوا من المدينة ويتركوها للدين الجديد ومن جاء به. تمنعهم من ذلك مصالحهم وأموالهم وتمنعهم من ذلك كبريائهم أيضا. ولم يكونوا آخر الأمر يستطيعون أن يظلوا كفارا وأن يجاهروا بذلك فيجعلوا للنبي سبيلا على أنفسهم وأموالهم. لم يشرح الله صدورهم للإسلام ولم يجرءوا على أن يظهروا الكفر فعاشوا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كما وصفهم الله في الآية الكريمة من سورة النساء.
شقوا بنفاقهم هذا وآذوا به المسلمين إيذاء متصلا مختلفا. كانوا خطرا في أيام السلم يعرف النبي والمسلمون إسلامهم بأطراف ألسنتهم وكفرهم في أعماق قلوبهم. ثم يرون منهم ويسمعون ما يكرهون في أوقات كثيرة ، ولا يستطيعون أن يعرضوا لهم بسوء؛ لأن الله لم يسلطهم عليهم، بل عصمهم منهم بكلمة التوحيد التي تنطلق بها ألسنتهم وتغلق من دونها قلوبهم. وكان أحدهم ربما غلب عليه كفره وبغضه فأظهر من القول والعمل ما كان جديرا أن يحل دمه، ولكن النبي كان يسرع إلى العفو عن هذه الهفوات على خطورتها. كالذي كان - حين أعلن عبد الله بن أبي بن سلول في غزوة بني المصطلق - من تلك الكلمة التي ذكرها الله في القرآن حين قال:
لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، يريد مبادأة المسلمين بالحرب إذا عادوا إلى المدينة وما يتبع ذلك من الاستعانة عليهم بأوليائه من الكفار.
وقد بلغت هذه الكلمة النبي
صلى الله عليه وسلم
واستأذنه عمر في قتل هذا الرجل؛ لأنه أحل دمه حين أعلن في صراحة عداوته للمسلمين وإزماعه على أن ينصب لهم الحرب إذا عادوا إلى المدينة. ولكن النبي أبى على «عمر» وكره أن يتحدث الناس بأن محمدا يقتل أصحابه كما جاء في الحديث الذي رواه الشيخان.
وقد وصف الله المنافقين واشتد عليهم في غير سورة من القرآن، فضح أمرهم كله وأظهر دخيلة نفوسهم في الآيات الكريمة من سورة البقرة وذلك حيث يقول:
ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون .
ثم يصف عنادهم وما ملأ قلوبهم من الكبرياء والغرور فيقول:
Bog aan la aqoon