Maraqi Jinan
مراقي الجنان بالسخاء وقضاء حوائج الإخوان
Noocyada
فضحكت، وأمرت أن يحمل إلى دارها. فحمل، فدخلت إلى مولاها، فأخبرته، وضحك، وأمر أن يدخل إليه، فدخل، وألقيت له الهيبة في قلب السيد، فقال: ما حاجتك؟ قال: بعني جاريتك. قال: أوتطيق أداء ثمنها؟ قال: قيمتها عندي نواتان مسوستان! فضحكوا، وقال: كيف كان ثمنها عندك هذا؟! قال: لكثرة عيوبها. قال: وما عيبها؟ قال: إن لم تتعطر زفرت، وإن لم تستك بخرت، وإن لم تمتشط وتدهن قملت وشعثت، وإن تعمر عن قليل هرمت، ذات حيض وبول وأقذار جمة، فلعلها لا تودك إلا لنفسها، ولا تحبك إلا لتنقمها بك، لا تفي بعهدك، ولا تصدق في ودك، ولا يخلف عليها أحد من بعدك إلا رأته مثلك، وأنا أجد بدون ما سألت في جاريتك جارية خلقت من سلالة الكافور، لو مزج بريقها أجاج لطاب، ولو دعي بكلامها ميت لأجاب، ولو بدا معصمها للشمس لأظلمت دونه، ولو بدا في الليل لسطع نوره، ولو واجهت الآفاق وعليها حللها لتزخرفت. نشأت بين رياض المسك والزعفران، وقصرت في أكناف النعيم، وغذيت بماء التسنيم، فلا تخلف عهدها، ولا تبدل ودها. فأيهما أحق برفعة الثمن؟.
قال: التي وصفت.
قال: فإنها الموجودة الثمن، القريبة المخطب.
قال: فما ثمنها رحمك الله؟.
قال: اليسير المبذول، أن تتفرغ ساعة في ليلك، وتصلي ركعتين تخلصهما لربك، وأن تضع طعامك فتذكر جائعك فتؤثر الله على شهوتك، وأن ترفع عن الطريق حجرا أو قذرا، وأن تقطع أيامك بالبلغة، وأن ترفع همك عن دار الغفلة، فتعيش في الدنيا بعز القنوع، وتأتي غدا إلى موقف الكرامة آمنا، وتنزل غدا في الجنة مخلدا.
فقال الرجل: يا جارية، أسمعت ما قال شيخنا هذا؟ قالت: نعم.
قال: أصدق أم كذب؟.
قالت: بل صدق وبر ونصح.
قال: فأنت إذا حرة لوجه الله، وضيعة كذا وكذا صدقة عليك، وأنتم أيها الخدم أحرار، وضيعة كذا وكذا لكم، وهذه الدار صدقة مع جميع مالي في سبيل الله.
ثم مد يده إلى ستر خشن كان على بعض أبوابه، فاجتذبه، وخلع جميع ما عليه من الثياب واستتر به.
Bogga 296