346

وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان ، من فوق عامل السنان ، وهذه الرزية التي لا مثلها رزية.

أيها الناس ، فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله؟ أم أي فؤاد لا يحزن من أجله؟ أم أية عين منكم تحبس دمعها ، وتضن عن انهمالها؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار بأمواجها ، والسماوات بأركانها ، والأرض بأرجائها ، والأشجار بأغصانها ، والحيتان في لجج البحار ، الملائكة المقربون ، وأهل السماوات أجمعون.

أيها الناس ، أي قلب لا ينصدع لقتله؟ أم أي فؤاد لا يحن إليه؟ أم أي سمع يسمع بهذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام ولا يصم؟

أيها الناس ، أصبحنا مشردين مطرودين مذودين شاسعين عن الأمصار ، كأننا أولاد ترك وكابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها. ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ، إن هذا إلا اختلاق ، والله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، من مصيبة ما أعظمها وأفجعها وأكظها وأفظها وأمرها وأفدحها ، فعند الله نحتسب ما أصابنا ، وما بلغ بنا ، فإنه عزيز ذو انتقام».

فقام إليه صوحان بن صعصعة بن صوحان العبدي ، وكان زمنا واعتذر بما عنده من زمانة رجليه.

فأجابه (عليه السلام) بقبول عذره وحسن الظن فيه ، وشكر له وترحم على أبيه. ثم دخل زين العابدين (ع) المدينة بأهله وعياله (1) وجاء إليه إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله وقال : من الغالب؟ فقال (عليه السلام): «إذا دخل وقت إلى الصلاة فأذن وأقم ، تعرف الغالب» (2).

فأما زينب ام كلثوم فأنشأت تقول :

مدينة جدنا لا تقبلينا

فبالحسرات والأحزان جينا

Bogga 375