قال (ص): «نعم» فقال : إنك تعلم ما أحد بار بأبيه مثلي ، فإن أردت قتله فأمرني به ؛ لأني أخاف أن تأمر غيري ولا احب أن أنظر إلى قاتل أبي فأعدو عليه فأقتله وأكون في النار (1)... وهذه القصة تعطينا صورة نيرة عما عليه البشر من احتدام أولياء المقتول على القاتل وتربصهم الفرص للأخذ بالثأر منه ، ولو كان القتل من جهة الشرك ... ولهذه الغريزة المطبوعة عليها جبلة الناس كان عمر بن الخطاب يقول لسعيد بن العاص وقد اجتمع عنده في بعض الليالي هو وعثمان وعلي وابن عباس : ما لك معرضا عني كأني قتلت أباك! إني لم أقتله ولكن أبا حسن قتله ، فقال أمير المؤمنين : «اللهم غفرا ذهب الشرك بما فيه ، ومحا الإسلام ما قبله ، فلماذا تهيج القلوب يا عمر؟» فقال سعيد : لقد قتله كفؤ كريم ، وهو أحب إلي من أن يقتله من ليس من عبد مناف (2).
لم يكن من الهين على سعيد قتل أبيه وإن كان كافرا وقتل بسيف الدعوة المحمدية ، والقاتل شريف جم المناقب ولم يحفزه على إراقة دمه إلا نداء الرب جل وعلا الموحى به إلى رسول السماء ، غير أن الخوف من صارم العدل حتم عليه التظاهر بالرضا مع انحناء أضالعه على أحر من جمر الغضا مرتقبا الفرصة في الأخذ بثاره ، وقد ظهرت نار البغض على لسان ولده عمرو بن سعيد الأشدق يوم تولى المدينة من قبل يزيد فلقد واجه ضريح النبي (ص) بلسان طويل مجاهر بقوله : يوم بيوم بدر يا رسول الله. ولما سمع صراخ نساء بني هاشم على سيد شباب أهل الجنة قال : واعية بواعية عثمان (3).
فعبد الله بن جعفر يتقد قلبه نارا على ابن ميسون ويود لو تمكنه الفرصة وتأخذ المقادير إلى تدميره والقضاء عليه وعلى أهله وذويه ، ومهما يكن ناسيا للأشياء فلا ينسى قتله أبي الضيم ونجوم الأرض من آل عبد المطلب والبهاليل من صحبه ، ثم نكته بالقضيب ثنايا ريحانة رسول الله (ص)، وهل يستطيع ابن جعفر والحالة هذه أن يبصر يزيد وسيفه يقطر من دمائهم وقد صك سمعه إظهاره الشماتة بنبي الإسلام :
Bogga 341