ولما يمم الحرب ، عز فراقه على مخدرات الإمامة ؛ لأنه عماد أخبيتهن وحمى أمنهن ومعقد آمالهن بعد الحسين. فكانت هذه ترى هتاف الرسالة في وشك الانقطاع عن سمعها ، وتلك تجد شمس النبوة في شفا الكسوف ، واخرى تشاهد الخلق المحمدي قد آذن بالرحيل ، فأحطن به وتعلقن بأطرافه وقلن : ارحم غربتنا ، لا طاقة لنا على فراقك. فلم يعبأ بهن ؛ لأنه يرى حجة الوقت مكثورا قد اجتمع أعداؤه على إراقة دمه الطاهر ، فاستأذن أباه وبرز على فرس للحسين تسمى لاحقا (2).
ومن جهة أن ليلى ام الأكبر بنت ميمونة ابنة أبي سفيان (3) صاح رجل من القوم : يا علي إن لك رحما بأمير المؤمنين يزيد ، ونريد أن نرعى الرحم ، فإن شئت آمناك. قال (عليه السلام): إن قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحق أن ترعى (4). ثم شد يرتجز معرفا بنفسه القدسية وغايته السامية :
أنا علي بن الحسين بن علي
نحن ورب البيت أولى بالنبي
ضرب غلام هاشمي قرشي (6)
ولم يتمالك الحسين (عليه السلام) دون أن أرخى عينيه بالدموع (7) وصاح بعمر بن سعد : «مالك؟ قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسلط عليك من يذبحك على فراشك» (8). ثم رفع شيبته المقدسة نحو السماء وقال : «اللهم اشهد على هؤلاء فقد برز إليهم
Bogga 257