(وأما الحجة): فهو أن المعدوم هو المحتاج إلى موجد* أما الموجود فلا يحتاج إلى موجد* أما المثال فهو باطل لأن البناء ليس سبب وجود البيت إلا مجازا وإنما هو سبب حركة أجزاء البيت بعضها إلى بعض وتلك الحركات معلول حركاته وينقطع بانقطاع حركاته فالآن بقاء شكل البيت معناه إن الجذع وقف في الموضع الذى وضع فهو لأنه ثقيل يطلب أسفل وما تحته كثيف يمنعه فالعلة ثقلة وكثافة ما تحته فلو انعدمت الكثافة بطل شكل البيت* والحائط المبنى من الطين بقى شكله لما فى الطين من اليبوسة فهى التى يتمسك شكلها فلو بناه من مائع فى قالب لكان يبطل شكل الحائط مهما رفع القالب لعدم اليبوسة فاذا البناء ليس فاعل البيت وكذا الأب ليس فاعلا للابن بل هو سبب حركة الجماع وتلك الحركة سبب حركة المنى إلى الرحم ثم حدوث صورة الانسان فى المنى سببه معان فى ذات المنى موجودة مع الصورة وسبب النفس سبب موجود دائم الوجود فلا معنى للاعتراض بهذا المثال فأما الحجة وهو أن الموجود لا يحتاج إلى موجد فهو صحيح ولكن يحتاج إلى مديم لوجوده * وبيانه إن الفعل الحادث له صفتان.
(إحداهما): إنه الآن موجود.
(والأخرى): إنه كان قبل هذا معدوما وكذا الفاعل له صفتان.
(إحداهما): إن الوجود الآن أعنى وجود الحدوث منه.
(والأخرى): إنه قبله لم يكن منه فلينظر فان تعلق الفعل بالفاعل لا يخلو إما أن يكون من جهة وجوده أو من جهة عدمه السابق أو من كليهما وباطل أن يكون من جهة عدمه لأن العدم السابق لا تعلق له بالفاعل ولا تأثير للفاعل فيه وباطل أن يكون من كليهما لأنه إذا بطل تعلق العدم بالفاعل فقد بطل أنه من كليهما فلا بد من تعلق الفعل ولم يبق إلا وجوده فالمتعلق بالفاعل وجود الفعل لا عدمه * فان قيل أنه متعلق به من حيث أنه موجود مسبوق بعدم فمعنى ذلك إن وجوده بعد عدمه ولا تأثير للفاعل فى كونه وجودا بعد عدم إذ هذا الوجود لا يمكن أن يكون إلا وجودا بعد عدم فهو بعد العدم لذاته ولو أراد الفاعل أن يفعله وجودا لا يكون بعد عدم لم يمكن فكونه بعد العدم ليس بجعل جاعل وإنما تأثير الجاعل فى وجوده* نعم يقدر الفاعل على أن لا يفعل ولا يوجد فاما أن يوجده لا بعد العدم فهذا محال فاذا افتقار الحادث إلى الفاعل من جهة وجوده فقط فانه ممكن من هذه الجهة فقط فأما كونه موجودا بعد العدم فهو واجب لا ممكن فلا حاجة فيه إلى الفاعل ومهما كان تعلقه به من حيث الوجود فما دام موجودا لا يستغنى عن الفاعل بل يكون متعلقا به أى وجوده به فى الأحوال كلها كما أن وجود النوربالشمس فى الأحوال كلها.
(وأما الفاعل): فله صفتان أيضا كما ذكرنا فكون الفاعل علة لا يخلو إما أن يكون من حيث أن لغيره وجودا به أو من حيث لم يكن وجوده به ثم حصل به* والحق أنه علة من حيث أن لغيره وجودا به لا من حيث إنه لم يكن ثم كان فانه إنما لم يكن الوجود منه من قبل لأنه لم يكن علة فذلك فى حكم عدم كونه علة لافى حكم كونه علة وفاعلا كما إن الانسان إذا لم يرد أن يكون الشىء الذى لا يكون إلا بالارادة ثم أراد فاذا حصل المراد كان فاعلا من حيث إن المراد حاصل والارادة حاصلة لا من حيث إن الارادة صارت حاصلة بعد العدم فاذا وجود الشىء أمر وصيرورته موجودا أمر آخر وكون الشىء علة وفاعلا أمر وصيرورته علة وفاعلا أمر آخر فصيرورته موجودا بعد إن لم يكن فى مقابلة صيرورته علة وفاعلا بعد إن لم يكن وكونه موجودا فى مقابلة كونه فاعلا فان من فهم من الفعل أن يصير الشىء موجودا بعد إن لم يكن فليفهم من الفاعل أن يصيرعلة بعد إن لم يكن فيتغير إلى العلية حتى يتغير عدم المعلول إلى الوجود وإن فهم من الفعل أن يكون موجودا بالفاعل فليفهم من الفاعل أن يكون علة للوجود لا لصيرورته موجودا وماهو علة وجود أمر زائد على ذاته فهو فاعل فان كان علة على الدوام فهو فاعل على الدوام وإن كان علة فى وقت فهو فاعل فى وقت وإن صار فاعلا صار علة وإن كان على الدوام علة كان على الدوام فاعلا* نعم العوام لا يفهمون الفرق بين كون الشىء فاعلا وبين صيرورته فاعلا فمن هذا يتخيلون ما يتخيلون ويلزم على هذا أن يكون المعلول فى دوامه وفى جميع أحواله قائما بالعلة لا يستغنى عنها فلو انعدمت العلة والفاعل انعدم المعلول والفعل وإن كان قديما كان الفعل قديما لأن تعلقه به من حيث وجوده فقط لامن حيث حدوثه الذى هو عبارة عن وجود بعد عدم كما سبق.
(المقالة الثانية فى ذات واجب الوجود ولوازمه) قد ذكرنا أن الموجود إما ان يتعلق وجوده بغيره بحيث يلزم من عدم ذلك الغير عدمه أو لا يتعلق فان تعلق سميناه ممكنا وإن لم يتعلق سميناه واجبا بذاته فيلزم من هذا فى ذات واجب الوجود اثنى عشر أمرا.
(الأول): أنه لا يكون عرضا لأنه يتعلق بالجسم ويلزم عدمه بعدم الجسم ونحن عبرنا بواجب الوجود عما لا علاقة له مع غيره البتة فالعرض ممكن وكل ممكن موجود بغيره وذلك الغير علته فيكون معلولا لا محالة.
(الثانى): انه لا يكون جسما لوجهين.
(أحدهما): ان كل جسم ينقسم بالكمية الى أجزاء فتكون الجملة متعلقة بالأجزاء فلو قدر عدم الأجزاء لزم عدمه كالانسان الذى يلزم عدمه بتقدير عدم أجزائه وقد ذ كرنا أن كل جملة فهى معللة بالأجزاء فلهذا لا يجوز أن يكون واجب الوجود مركبا من أجزاء فانه اذا قيل لنا لم كان الحبر موجودا قلنا لأنه كان الماء والعفص والزاج والاجتماع فحصل من المجموع الحبر فهذه الأجزاء علة الجملة وهكذا جزاء كل مركب علة للمركب.
Bog aan la aqoon