{ قال رب اشرح لي صدري (25) ويسر لي أمري } إلهي : أسألك بالاسم الأعظم ، والوصف الأكرم ، أن تنير لي الطريق المظلم . أسألك نعمة تدفع بها نقمة ، وعلما تؤيده رحمة ، وموهبة تقيدها حكمة ، وأملا يدفع اليأس ، ورعاية ترد البأس ، اللهم ارحم العبرة ، وأقل العثرة ، وأزل الحسرة ، واكشف عنا حجب الضلالة ، وسحب الجهالة ، حتى نبصر آيات عظمتك بعيون اليقين ، ونقرأ أسطر صنعك ببصائر الموحدين ، اللهم أيدنا بعز سلطانك ، وأكرمنا بفهم برهانك ، أعوذ بك من زلة ، توجب ذلة ، وعثرة قدم ، توجب الندم ، ونسألك إخلاص النية ، وكرم الطوية ، وندعوك بلسان الاضطرار ، أن تفتح لحكمتك منا الأسماع والأبصار ، وأن تنير بوحيك مظلم الأفكار ، وما اسود من الأسرار .
وبعد : فقد سبقني إلى هذا الفن أعلام ، لهم في الحكمة أقدام ، وفي حومة البيان أعلام ، وفي طروس الفصاحة أقلام . فمنهم من خص بمقاماته الأدب ، وثان في ذكر من ذهب ، وثالث في الحب ، ورابع في الطب .
أما أنا فأطلقت للقلم زمامه ، وسرحت خطامه ، وأزحت لثامه ، ليكتب في فنون ، ويسيل في شجون ، ذاكرا من سلف ومن خلف ، آخذا من كل حكمة بطرف ، وربما لمحت في المقال ، بعض الخيال ، فلا تبد لنا قسوة ، فلي في ذلك أسوة ، فإن الأمم استنطقت الجمادات ، واستفهمت العجماوات ، وقولت الكلام الحيوانات ، وكلمت الأطلال ، ونسبت الحديث إلى الشجر والتلال ، تعريضا وتلميحا، ونسبة وتصريحا .
وللعجم من ذلك ما يبهر ، ككتب بزجر جمهر ، وللروم في ذلك تآليف ، وللهنود في هذا الفن تصانيف ، ورأيت كتب اليونان ، وصاحب الإيوان ، والمانوية من أسلاف اليابان ، كلها تنسب القول للحيوان ، وتضيف وتنقل الخطاب بغير الإنسان ، حبا للسلامة ، وخوفا من الندامة .
Bogga 4