138

Maqaallada Tanahi

مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي

Daabacaha

دار البشائر الإسلامية بيروت

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Noocyada

أدرت عليه مقالتي هذه. فإن «معرفة القوانين العلمية التي استنبطها أهل صناعة اللسان» هي «النظريات والمناهج» في أيامنا هذه. فكما أن الوقوف عند «معرفة القوانين العلمية» هذه لا يصنع ملكة أدبية لغوية، كذلك الاكتفاء «بالنظريات والمناهج» لا يكسب هذه الملكة.
ويقرر ابن خلدون أيضًا: «أنه لا بد من كثرة الحفظ لمن يروم تعلم اللسان العربي، وعلى قدر جودة المحفوظ وطبقته في جنسه وكثرته من قلته تكون جودة الملكة الحاصلة عنه للحافظ».
ويقول القاضي عبد الرحيم بن علي بن شيث الإسنائي القوصي، في سياق حديثه عن أدوات الكاتب وعدته: «والحفظ في ذلك ملاك الأمر، فإنه يؤهل ويدرب، ويسهل المطلوب ويقرَّب».
هل الحفظ مطلوب؟ !
هذا وقد وقعت على نص خطير جدًا، هو خير رد وأوفاه على هؤلاء الذين يشترطون الحفظ: الفهم، ويقولون: لا تطلبوا من الصبي حفظ ما لا يفهم، فإن هذا غير مُجد في العملية التعليمية. يقول أبو الفتح عثمان بن جني: «قال لنا أبو علي - الفارسي - يومًا قال لنا أبو بكر - ابن السراج -: إذا لم تفهموا كلامي فاحفظوه، فإنكم إذا حفظتموه فهمتموه».
وهذا كلام صحيح، يصدقه الواقع وتؤكده التجربة، فإن الإلحاح بالحفظ الدائم المستمر مما يمهد للفهم لا محالة. وآية ذلك أن صغار التلاميذ في دور الحضانة والروضة يرددون مع إطلالة كل صباح النشيد الوطني لبلادهم، وهم بالقطع لا يعرفون شيئًا عن معاني مفرداته فضلًا عن تراكيبه، ولكنهم بمرور الأيام يدركون ويفهمون. والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى في اكتساب وإدراك المعارف. ونحن الذين حفظنا القرآن صغارًا نعرف هذا من أنفسنا، فما زلنا نذكر ألفاظ القرآن وتراكيبه الغريبة علينا في مطالع أيامنا، ثم إضاءة معانيه في نفوسنا بعد ذلك

1 / 152