134

Maqaallada Tanahi

مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي

Daabacaha

دار البشائر الإسلامية بيروت

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Noocyada

لحم خرساء تدور في جوبة الحنك» كما يقول شيخنا محمود محمد شاكر - في سياق آخر.
ومثل ذلك يقال في نحويّ خالطت بشاشة النحو قلبه، وخبر سواده وبياضه (زعم)، أسهر فيه ليله، وأدأب له نهاره، حتى ظن أنه ملك ناصيته: قواعد وخلافيات ونقدًا، فإذا أخذ في كلام، أو أدار قلمه على بيان خلَّط واعتسف وأخطأ، وما أتي هذا النحوي وذلك الأديب إلا من قبيل الإغراق في النظريات والمناهج والقواعد، واطراح الحفظ، وهجر النصوص، وإهمال التطبيق.
وقد سرى هذا الداء الخبيث إلى علمين جليلين في تراثنا - وما كان ينبغي أن يسرى إليهما، لأنهما ملاك الأمر كله - وهما التفسير والحديث، ففي ميدان التفسير قد تصادف دارسًا يحدثك بإفاضة وإحاطة عن مدارس التفسير واتجاهاته، من تفسير بالمأثور إلى تفسير بالرأي، والتفسير الموضوعي للقرآن، والتفسير الفقهي، والتفسير الإشاري الصوفي، إلى آخر هذه القائمة، فإذا طلبت منه تفسير شيء من كتاب الله لم تظفر منه بشيء إلا شيئًا لا يُعبأ به ... وقد اختفت تلك الصور الجليلة النبيلة، حين كنت تستوقف شيخًا فاضلًا عقب صلاة الجمعة، أو في طريق عام، فتسأله عن آية من كتاب الله فإذا أنت أمام علم حاضر وإجابة شافية.
وقل مثل هذا في حديث سيدنا رسول الله ﷺ، فقد اشتغل به كثير من طلبة العلم الآن: دراسة نظرية، تعنى بتدوينه وعلومه وتصانيفه من الصحاح والمسانيد ... إلى غير ذلك مما كان يعرف قديمًا بعلم «الدراية»، لكنك قل أن تجد منهم من اعتنى بهذا العلم الجليل «رواية» من حيث حفظ المتون وإتقان الغريب.
وقد أدى هذا الأمر إلى مصيبة كبرى اجتاحت بعض الشباب المسلم المحب لحديث المصطفى ﷺ، ومعرفة السنة المطهرة، فقد اتجه كثير منهم في هذه الأيام إلى طلب معرفة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وتجريح الرواة وتعديلهم - وهذا بحر لا ساحل له، ولا يقوى عليه إلا أولو العزم من الرجال - وقد صرفوا في ذلك جهودًا كثيرة كان الأولى أن تصرف إلى قراءة صحيحي الإمامين الجليلين: البخاري

1 / 148