73

Maqalat Mawqic Dorar

مقالات موقع الدرر السنية

Noocyada

وبكل حال فإن الإسلام - بحمد من أكمله - ليس شيئا ضبابيا غامضا كالليبرالية مثلا الموصومة في الغرب دوما بالغموض وعدم الوضوح، حتى قررت الموسوعة الشاملة أنها مصطلح غامض، لأن معناها يتبدل بمرور السنين! وقررت الموسوعة البريطانية أن من النادر أن توجد حركة ليبرالية لم يصبها الغموض، ولهذا انهارت بعض حركاتها لهذا الغموض المطبق (انظر حقيقة الليبرالية ص16) فأما دين الله فلم يكن قط خفيا غامضا، حتى ينقله المتهورون تبعا لأهوائهم، بل هو جلي المنهج واضح المعالم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها) (رواه أحمد 4/ 126)، فمن هوي تيارات التيه من ديمقراطية أو ليبرالية أو اشتراكية أو غيرها فليكن واضحا، ولا يجير هواه على دين الله، لينشره في الناس من خلال مسحة شرعية يضلل بها الناس، فإن هذا المسلك المغلوط هو عين ما سلكه الخوارج الغلاة، ولكن في اتجاه معاكس لاتجاه هؤلاء، حيث جعل الخوارج تشددهم وتهورهم وظلمهم منسوبا إلى دين الله، وهذا هو المفهوم الذي سعوا إلى نشره في الأمة، وأفهموه من سايرهم في باطلهم، ألا فقاتل الله الغلاة والجفاة معا، ما أشد جنايتهم على أمة الإسلام!، ولله ما أعدل وأصدق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي وصفت أهل التفريط والإفراط معا بوصف واحد، وهو وصف (شرار الأمة)! إذ جاء في حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الخوارج الغلاة: (شرار أمتي) الحديث (رواه الآجري: 56)، كما قال في الجفاة من حاملي الأمة على طرائق الزائغين قبلها: (ليحملن شرار هذه الأمة على سنن الذين خلوا من قبلهم) الحديث (رواه الآجري: 34).

وما ذاك إلا لأن أهل الإفراط والتفريط جانبوا الوسطية الحقيقية التي جلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، فمن جاوز هذه الوسطية غلوا أو جفاء فلا وصف أدق من وصفه بما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي نهاية مقالي أدعو أهل العلم عموما، والزملاء المختصين بدراسة العقيدة والمذاهب المعاصرة - ممن يتولون تدريسها في الجامعات الإسلامية - إلى مزيد من الكتابة العلمية الموثقة في هذه المسألة، وذلك من خلال مقارنة أوسع للقضايا المثارة بين الإسلام والديمقراطية ، كالحرية، وعموم مسائل المرأة ونحوها من مواضع الممايزة والمباينة الكبيرة بين الإسلام والديمقراطية، مما تعمدت تجنب النقاش الموسع فيه خلال هذه المقالة، رغبة في عدم الإطالة، وعسى الله أن يجعل هذه المقالة متبوعة بمقالات علمية، تجلي للناس هذا الغبش الذي اشترك في إحداثه أكثر من طرف، حتى صار كثير من عوام المسلمين يتوهم أن الديمقراطية مصدر الأمل القادم الذي ستستنقذ به بلادهم بعد أن أوهموا أن دينهم العظيم لا يعارضها، إذا فلنوضح الحقيقة، لنفهم فلذات أكبادنا من بنين وبنات أن كل أمر تمدح به الديمقراطية من جهة مروجيها يستحيل - إن كان محل مدح فعلا - ألا يكون موجودا في دين الله على أكمل وأتم ما يكون من الحسن والبهاء، ليعتز فلذات الأكباد بمصدر عزهم الوحيد، ويستغنوا به عما سواه من تيارات الشرق والغرب، وينأوا بأنفسهم عن إشكالات تلك التيارات المهلكة التي هي اليوم سرطان البشرية الأكبر. ومما يؤكد على أهل العلم ضرورة الكتابة المؤصلة في هذا الجانب الكبير مانجده من كتابات بعيدة عن المصداقية، عظيمة الزيف، فلا علاج لها إلا بالعلم المؤصل على وفق الشرع، ومن الله وحده نستمد التوفيق.

مسكنا الله بما تركنا عليه رسوله صلى الله عليه وسلم من المحجة البيضاء، وسلمنا من الغلو والجفاء إنه على كل شيء قدير.

وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه.

Bogga 73