وهو في هذه المقارنة يكاد يقول لنا: إن في هذه الدنيا ما هو أهم من جمع المال، إن في الدنيا حقولا وطيورا، ولذة الاستيقاظ في الصباح لرؤية الشمس في شروقها، ومتعة الحب الخارج على القواعد، والائتناس بالحديث إلى الرجال والنساء في الحانات أو عبر الطرق، بل كذلك التشرد بالتقلب في الحرف.
ثم يكره اثنين من الرجال؛ هذا العصامى الذي لا يهدف من حياته إلا إلى جمع المال، أي: الرجل الذي كان يمدحه صمويل سمييلز ويقول: إننا يجب أن نكون مثله. هذا الرجل هو الثمرة المرة للمباراة الاقتصادية في الشعوب التي تحيا على المبادئ الانفرادية، وليست المبادئ التعاونية الاشتراكية. ومثل هذا العصامي لا ينجح إلا بسقوط العشرات ممن كانوا يبارونه ويحاسدونه، وآلام المئات من العمال الذين كانوا يخدمونه.
والشخص الثاني الذي يكرهه هو الرجل الذي لا ينهض، الجاهل الذي يرضى عن جهله، والذليل الذي يرضى ذله، والحيوان الذي يمارس اللذات الحيوانية ولا يعرف ما هو أعلى منه. •••
حين يموت أديب ونجد الحرية لنقده وتقييمه دون أن نجرح كرامته نسأل هذا السؤال: هل كانت المشكلات التي شغلته وألف عنها كتبه مشكلات حقيقية تنبع من وجود الإنسان، ونظام المجتمع، واستقلال الروح، وارتقاء الشعوب، والحرية، والمساواة، والإنسانية، أم كانت مشكلات تافهة جوفاء كنا نلتفت إليها في حياته؛ لأنه كان يصيح ويصرخ في آذاننا حتى إذا مات نسيناها لتفاهتها؟
ومثل هذا السؤال يمكن أن يسأله الناس في كل عصر وفي كل قطر، ويمكن أن يسأله الناس الآن وبعد الآن في مصر.
أنت رجل أيها الأديب، أنت إنسان، تطلب الخير للشعب الذي تعيش فيه، أنت تفهم معنى التطور، وقيمة الحرية، حرية النفس في أن تسلك السلوك الذي تهواه، وحرية العقل في أن يفكر في استقلال، تؤمن ببينة العلم بدلا من الإيمان بالعقائد الموروثة، وأنت من الشعب، فهل خدمت الشعب والإنسانية والحرية والتطور والعلم؟
إن جوركي فعل ذلك، خدم الشعب والإنسانية والحرية والتطور والعلم. •••
البطل الأول في جميع قصص جوركي هو الرجل الناهض، بل المرأة الناهضة أيضا، هو الرجل الذي يقف لحظة في حياته ينظر إلى الخلف وإلى الأمام، إلى ماضيه وإلى مستقبله، فيقول: كنت جاهلا فيجب أن أتعلم. كنت في غيبوبة فيجب أن أتنبه. كنت عبدا للخرفات والاصطلاحات فيجب أن أتحرر. كنت أنانيا فيجب أن أكون إنسانيا. كنت إحيا بلا قصد، بلا وعي فيجب أن أحيا عن قصد ووعي.
نحيا عن قصد ووعي في هذه الدنيا! هذا شيء خطير.
وقصة «الأم» التي ألفها عقب فشل الثورة الروسية ضد القيصر في 1905، هذه القصة تدلنا على اهتمامات جوركي في أدبه وحياته.
Bog aan la aqoon