نشأ بمصر في سالف العصر رجل خليع، من نسل الصريع، كان مغرما بالسياحة، مولعا من عهد نشأته بالملاحة، ممتطيا غارب الأمل إلى الغربة، منتضيا في التطواف عضبه، قاطعا الأغوار والأنجاد، ساعيا في الفيافي بلا ماء ولا زاد.
لا يستقر بأرض أو يسير إلى
أخرى لشخص قريب عهده ناء
يوما بحزوى ويوما بالعقيق ويو
ما بالعذيب ويوما بالخليصاء
وتارة ينتحي نجدا وآونة
شعب الحزون وحينا قصر تيماء
وقد اتفق له في بعض الأسفار، المتوالية بجميع الأقطار؛ أنه حج إلى بيت الله الحرام، في عام من الأعوام، وبينما هو يدعو ربه عند طوافه بالكعبة، إذ سمع في الأسحار، زنجيا متعلقا بالأستار، يقول في تضرعاته، عقب انصرافه من صلاته: إلهي، أنت قلت في كتابك المنزل على خلاصة أحبابك:
وتلك الأيام نداولها بين الناس
فأين دولتي يا شديد القوى والباس؟ فدنا منه وجذبه من الأطواق، وأخرق به غاية الإخراق، وقال له: كيف يا أخس الرجال، تعلق أملك بالمحال؟! ولست يا أسود البشرة من القوم الكرام البررة، أم كيف - لا أم لك - تترقب الصعود إلى الفلك، وتتعلق منك المطامع، يا أنحس مخلوق بأسعد الطوالع؟! مع أنك إلى الآن لم تفز بالعتق، ولم تخلع عنك ثياب الرق، يا ويلك إن كنت قد اغتررت بولاية كافور، الذي كان آمرا في صورة مأمور، فتلك فلتة من فلتات الدهر، وهفوة من هفواته التي تقصم الظهر، وكأنك بمولاك أيها العبد الآبق، والوغد المهين المارق، وقد جد في طلبك، وردك إلى سوء منقلبك، وطرحك على التراب، وصب عليك سوط عذاب، فقف عند حدك، وارجع في عملك إلى كدك، واجعل يا هذا أمنيتك قاصرة، على ملء بطنك وستر عورتك الظاهرة. فقال له الزنجي، وقد استدل بفعله على رعونته وسخف عقله: يا هذا، خفف عليك، فليس الأمر منك ولا إليك، وكف عن هذا التقريع والتوبيخ والتشنيع، فإنك تعلم أن الله على كل شيء قدير، وأنه سبحانه وتعالى بالإجابة جدير، وإني على ثقة من بلوغ المآرب، والفوز بنيل المطالب؛ لأنه ما دق باب الله أحد من العباد إلا فاز من فيض إحسانه بما أراد، وهذا هو اعتقادي ونيتي، من عهد ولادي ونشأتي، والعبرة بالنية في الماضي والآت، وقد قال صلوات الله عليه بنص الثقات، من ضمن الأحاديث المرويات: «إنما الأعمال بالنيات.» ورجائي في مكارمه التي لا تعد، أنه لا يردني في هذا العام بغير القصد، لا سيما وقد وقعت على أعتابه، وتوسلت إليه بصفوة أحبابه، وحفظت قوله تعالى وهو للقلوب طب
Bog aan la aqoon