Muqaalka Min Dhagaxa Qalcadda
المنظر من صخرة القلعة
Noocyada
قال أبي بنبرة من الاعتذار الممزوج بالدعابة: «إنها ترى كيف نعيش نحن العمال.» كان يعتذر لهم نيابة عني، كان يملأ الدنيا اعتذارات طريفة. ذاك كان أسلوبه.
كان العاملان يعملان معا بحرص، وباستخدام خطافات طويلة، رفعا قالبا مصبوبا ثقيلا وأخرجاه من صندوق رمل.
قال أبي: «هذا ساخن للغاية. لقد سبك اليوم، عليهما الآن أن يعدا الرمل ويجهزاه من أجل عملية الصب التالية، ثم تكرار ذلك مرة أخرى. إنه عمل بالقطعة كما تعلمين، ويدفع الأجر لكل عملية صب.»
وانصرفنا.
قال لي: «الاثنان يعملان معا هنا منذ فترة، كانا دائما يعملان معا، إنني أقوم بنفس الوظيفة وحدي، تلك هي أثقل مهمة قاما بها هنا. لقد استغرق مني الأمر فترة لأعتاد تلك الوظيفة، ولكنها لا تؤرقني الآن.»
كان الكثير مما رأيته في تلك الليلة على وشك الاختفاء عما قريب؛ الدست، المغارف التي ترفع باليد، الغبار القاتل. (لقد كان قاتلا بالفعل؛ ففي كل أنحاء البلدة، وفي شرفات المنازل الصغيرة الأنيقة، كان هناك دوما بضعة رجال جلدين ذوي وجوه صفراء يعرف الجميع ويتقبل أنهم يحتضرون بفعل «داء المسبك»، من الغبار الذي يملأ رئاتهم.) الكثير من المهارات والمخاطر الخاصة كانت على وشك التلاشي، الكثير من المخاطر اليومية، إلى جانب قدر كبير من الكبرياء الأهوج، والإبداع والارتجال العشوائيين. لقد كانت الأساليب التي رأيتها أقرب على الأرجح إلى أساليب العصور الوسطى منها إلى أساليب العصر الحالي.
وأتخيل أن الشخصية الخاصة للرجال الذين كانوا يعملون في المسبك كانت على وشك التغير، مثلما تغيرت الأساليب المتبعة في العمل، فلن يختلفوا كثيرا عن العاملين في المصانع، أو في وظائف أخرى. حتى الفترة التي أتحدث عنها كانوا يبدون أقوى وأكثر غلظة من العمال الآخرين؛ فقد كانوا أكثر إباء، وربما كانوا أكثر ميلا للتضخيم من صفاتهم ومميزاتهم من الرجال الذين لم تكن وظائفهم قذرة أو خطيرة لهذه الدرجة. كان لديهم من الكبرياء والإباء ما منعهم من المطالبة بأي حماية من المخاطر التي كان عليهم مواجهتها، بل إنهم في حقيقة الأمر، حسبما كان يقول أبي، كانوا يحتقرون أي حماية تعرض عليهم . وكان يقال إنهم كانوا أكثر إباء من أن يشغلوا أنفسهم بتأسيس نقابة.
كان البديل لذلك هو السرقة من المسبك.
قال أبي بينما كنا نسير معا: «سأقص عليك حكاية عن جوردي.» كان «يقوم بجولة» الآن، وكان عليه وضع بطاقته في ساعات تسجيل وقت العمل في أجزاء متعددة من المبنى، ثم تنظيف أرضياته. ثم أضاف: «يحب جوردي أن يأخذ معه إلى المنزل بعض الخشب والعوارض والقليل من صناديق الشحن أو أي شيء، أي شيء يعتقد أنه قد يفيد في إصلاح المنزل أو بناء سقيفة خلفية؛ لذا في الليلة الماضية أخذ حمولة من الأشياء وخرج بعد حلول الظلام ووضعها في مؤخرة سيارته حتى تكون هناك حين ينصرف من العمل، ولم يكن يعلم أن توم كان في المكتب، وتصادف أنه كان واقفا بجوار النافذة وراح يراقبه. لم يكن توم قد أحضر السيارة؛ إذ كانت السيارة مع زوجته وذهبت بها إلى مكان ما، وجاء توم سيرا لتوه لأداء القليل من العمل أو لأخذ شيء نسيه، ورأى ما كان جوردي يعتزمه، وانتظر حتى رآه يهم بالانصراف من العمل ثم خرج وقال: يا هذا، يا هذا! هل من الممكن أن توصلني إلى البيت؟ وقال له إن زوجته قد أخذت السيارة. ومن ثم ركبا سيارة جوردي وبقية الزملاء الآخرين واقفين عاجزين عن النطق، وجوردي يتصبب عرقا، فيما لم ينبس توم ببنت شفة. جلس توم يصفر بينما يحاول جوردي تشغيل السيارة، وترك جوردي يوصله إلى المنزل دون أن ينطق بكلمة، ولم يلتفت أو ينظر للخلف مطلقا، بل لم ينتو ذلك مطلقا، فقط تركه يغرق في عرقه، وحكى كل ما حدث في كل أرجاء المسبك في اليوم التالي.»
كان من السهل أن تولي الكثير من الاهتمام لهذه القصة وأن تفترض أن يكون بين الإدارة والعمال نوع من الألفة والتسامح، بل وتقدير أحدهم لمحن الآخر. وقد كان هناك قدر من ذلك بالفعل، ولكن ذلك لم يكن يعني أنه لم يكن هناك أيضا الكثير من الضغينة والقسوة وبالطبع الغش . ولكن الدعابات كانت مهمة، فكان الرجال الذين يعملون في نوبات المساء يتجمعون في غرفة أبي الصغيرة؛ غرفة الحارس، في أغلب الأوقات - ولكنهم كانوا يتجمعون خارج الباب الرئيسي حين يكون الطقس حارا في المساء - ويدخنون ويتحدثون بينما يأخذون راحتهم غير المصرح بها. كانوا يحكون عن الدعابات التي ظهرت مؤخرا وفي السنوات الفائتة، كانوا يتحدثون عن الدعابات التي قيلت من وعن أشخاص فارقوا الحياة منذ زمن، وفي بعض الأحيان كانوا ينخرطون في حديث جاد كذلك. كانوا يتجادلون بشأن وجود الأشباح من عدمه، ويتحدثون عمن ادعى رؤيته لأحدها، كانوا يتناقشون بشأن المال؛ من كان يملكه، ومن فقده، ومن كان يترقبه دون أن يأتيه، وأين يحتفظ به الناس. وأخبرني أبي عن تلك الأحاديث بعد سنوات.
Bog aan la aqoon