وإذن، فعلينا أن نفحص العلوم الرياضية بطريقتين متتابعتين: فنعدها في الأولى أكمل العلوم جميعها، وفي الثانية نعدها الأداة العقلية «للفلسفة الطبيعية» كما قال كونت. وفي هذا الفصل سوف نفحصها تبعا لوجهة النظر الأولى.
وعلى هذا النحو، يمكننا أن نتحدث عن «موضوع» العلوم الرياضية، أعني أننا نستطيع أن نعين ونحدد ونحلل نوعا من الوقائع تنصب عليه هذه الدراسة، وإن تكن هذه الوقائع فكرية وعقلية إلى أبعد حد؛ بل هي في نهاية الأمر غير مادية. لكن سنرى أنها كانت مادية في بادئ الأمر.
فإذا تأملنا العلوم الرياضية الحديثة، أمكننا القول بأن موضوعها مزدوج، لأنها العلوم الخالصة للترتيب والقياس
4
كما بين ديكارت بوضوح. فلنحلل هاتين الفكرتين، بادئين بالثانية.
5
القياس يخلق العدد والمقدار
إن القياس عملية فنية معروفة، يكون المرء بها - «عن طريق كمية تسمى وحدة القياس» - كمية أخرى مثالية يجب أن تكون في نهاية العملية مساوية تماما لكمية حقيقية مقررة. فمن الممكن مثلا ، استخدام «المتر» الصلب لتكوين خط مستقيم مثالي، ينطبق على ضلع المنضدة، وله نفس طرفيه. وهذه العملية تنطوي، كما هو واضح، على معنيين: معنى المساواة ومعنى الجمع، ذلك لأن وحدة القياس يجب أن تظل مساوية لذاتها، وإذا ما جمعناها مع نفسها عددا معينا من المرات، أنتجت كمية مساوية للكمية المطلوب قياسها.
وللكم نوعان؛ كم منفصل، هو العدد الذي يتكون أساسا من وحدات، وكم متصل أو مقدار، ويمكننا أن نلحظ فيه وحدات اخترناها بإرادتنا. ويتكون العدد - مؤقتا على الأقل - من وحدات لا تقبل الانقسام. أما المقدار فهو ينقسم إلى ما لا نهاية له.
وإذن يمكننا أن نميز في رياضيات القياس، بين مجموعتين: رياضيات المقدار، ورياضيات العدد.
Bog aan la aqoon