Bergson .
10
وهكذا وجد في فرنسا مذهب وضعي مضاد للمادية، ومذهب روحي يبنى على أساس العلم ذاته.
الترتيب المتسلسل يجب أن يكون هو أيضا ترتيب العلوم في برامج التدريس
يوحي تصنيف «أوجست كونت» بفكرة أخرى. فإذا كانت مجالات العلوم المتعاقبة يتوقف كل منها على الآخر تبعا لترتيب متسلسل، فإن دراسة كل علم تتوقف على دراسة العلوم السابقة عليه، بحيث يتعين علينا أن ندرسها بالترتيب الذي يحدده التصنيف، وعلى ذلك يكون أساس تدريس العلوم هو دراسة الرياضيات؛ وتلك فكرة تبدو لنا في القرن العشرين، طبيعية إلى أقصى حد، ولا شك في أنها ليست جديدة؛ بل لقد دعا إليها من قبل علماء القرنين السابع عشر والثامن عشر. لكن المذهب الوضعي عند «أوجست كونت» هو الذي فرضها على الرأي العام، وبالمثل تنطوي دراسة العلوم البيولوجية ضمنا على دراسة العلوم الفلكية، أو على الأقل العلوم الطبيعية الكيميائية. فعلم الإنسان يفترض العلوم السابقة له.
الترتيب المتسلسل هو الترتيب الذي ظهرت به مختلف العلوم
إذا كان حقا أن العلوم يعتمد بعضها على بعض في الترتيب المتسلسل فلا بد أن تكون العلوم قد ظهرت تبعا لهذا الترتيب ذاته، ولكن لنلاحظ أولا أنه يجب علينا ألا ننظر إلى نقطة بدء العلوم على أنها هي اللحظة التي بدأت فيها البحوث التي استغلها ذلك العلم، فلو صح ذلك لكانت العلوم كلها قديمة كالإنسانية نفسها، فقد كان هناك دائما حاسبون، وفلكيون (أو بالأحرى منجمون) وأطباء. غير أن العلم يبدأ عندما يحدد المنهج الخاص به، وفضلا عن ذلك فإن الترتيب التاريخي لا يتفق اتفاقا دقيقا، بأية حال من الأحوال مع الترتيب المنطقي؛ بل يتضمن ظروفا لا يمكن حسبانها، فهو «عرضي» بدوره وبطريقته الخاصة.
ويمكننا القول، على وجه الإجمال، إن العلوم قد ظهرت في صورتها النهائية، بهذا الترتيب المتسلسل، وسوف تتاح لنا، فيما بعد، فرصة إثبات هذه الحقيقة على نحو أدق. وحسبنا الآن أن نقول أن الرياضيات والفلك علمان يونانيان، وأن علم الطبيعة قد اتخذ صورته الحديثة في القرن السابع عشر، والكيمياء في القرن الثامن عشر، وعلم الحياة في القرن التاسع عشر، وفي ذلك القرن نفسه، وبعد فترة طويلة، ظهرت علوم الإنسان، كالتاريخ العلمي، وعلم النفس التجريبي وعلم الاجتماع.
عيب تصنيف «أوجست كونت» وحدة العلوم
رغم أننا اقتبسنا من «أوجست كونت» معلومات عديدة، فإن هذا لا يمنعنا من أن نوجه إليه نقدا عاما، وأن نوضح بعد ذلك، النقط التي يؤدي فيها تطور العلم في وقتنا الحالي إلى تجاوز تصنيفه.
Bog aan la aqoon