وما كنتم لتوجهوا طعونكم المنحازة نحو المتضررين والمهانين وحدهم، وإنما كنتم ستصيحون بأعلى صوتكم، بوصفكم قساوسة مخلصين، دون أن تستثنوا أحدا. لا تقولوا إنكم مضطهدون، ولا تحاولوا جعلنا سبب هذا الاضطهاد الذي تجلبونه أنتم لأنفسكم؛ إذ إننا نشهد الناس جميعا أننا لا نحمل لكم ضغينة لكونكم كويكرز، وإنما لأنكم تتظاهرون بذلك دون وجه حق.
وبكل أسف يبدو لنا من خلال النزعة المحددة لبعض أجزاء حجتكم - وأجزاء أخرى من سلوككم - وكأن جميع الخطايا تجسدت وتجمعت في «خطيئة حمل السلاح»، وذلك فقط إذا كان الشعب من يحمله. ويبدو لنا أنكم خلطتم بين التحيز والضمير؛ لأن التوجه العام لتصرفاتكم يفتقر إلى الاتساق؛ ومن الصعب جدا علينا أن نقتنع أو نسلم بكثير من هواجسكم المصطنعة؛ لأننا نراها هواجس لنفس الرجال الذين يصرخون معترضين على الجشع في هذا العالم، ومع ذلك فإنهم في ذات اللحظة يقتفون أثره بخطى ثابتة كالزمن، وشهية متقدة كالموت.
إن الاقتباس الذي أوردتموه من الأقوال المأثورة في الصفحة الثالثة من حجتكم، والذي يقول إنه «عندما يرضى الرب عن سبل إنسان، فإنه يجعل حتى أعداءه يسالمونه»، هو اقتباس اختير بحماقة شديدة من جانبكم؛ لأنه بمنزلة برهان على أن سبل الملك (الذي تتحمسون لتأييده) لا ترضي الرب، وإلا لعم السلام خلال حكمه.
وأنتقل الآن إلى الجزء الأخير من حجتكم، الذي يبدو إزاءه كل ما سبق مقدمة ليس إلا، والذي تقولون فيه: «لقد كان رأينا ومبدأنا دائما منذ نهضنا لنشر نور يسوع المسيح، الذي يظهر في ضمائرنا حتى يومنا هذا، أن تنصيب الملوك والحكومات وخلعهم هو حق خالص لله وحده؛ ولأسباب لا يعلمها حقا إلا هو؛ وأنه ليس من شأننا أن تكون لنا يد أو حيلة في الأمر؛ وأننا يجب ألا ننشغل بما يقع خارج نطاق إدراكنا، وألا نتآمر أو ندبر الحيل من أجل هدم أو قلب نظام الحكم، وإنما علينا أن نتضرع من أجل الملك، ومن أجل سلامة أمتنا، ومن أجل الخير للناس كافة؛ وذلك لكي نحيا حياة مطمئنة ملؤها السكينة بكل تقوى وأمانة «في كنف الحكومة التي شاء الله أن يوليها علينا».» فإذا كانت تلك هي مبادئكم حقا، فلم لا تمتثلون لها؟ لماذا لا تتركون الرب يمارس ما تسمونه حقه؟ إن تلك المبادئ ذاتها تأمركم بأن تنتظروا بصبر وتواضع نتيجة ما ستسفر عنه إرادة العامة، وأن تتلقوا هذه النتيجة باعتبارها مشيئة الرب فيكم. لذا ما الذي دعاكم لأن تعرضوا علينا «حجتكم السياسية» إذا كنتم تؤمنون حقا بما جاء فيها؟ إن نشر تلك الحجة يثبت أنكم إما لا تؤمنون بما تقولون وإما تفتقرون إلى الفضيلة الكافية لتعملوا بما تؤمنون.
إن مبادئ الكويكرية تنزع مباشرة إلى جعل الإنسان خاضعا ساكنا مسالما لأي حكومة «تولى عليه». وإذا كان تنصيب الملوك والحكومات وخلعهم حقا يختص به الله وحده، فما من شك أنه لن يسمح لنا بأن نسلبه ذلك الحق: وهكذا فإن مبدأكم نفسه يؤدي بكم إلى قبول أي شيء حدث من قبل، أو يمكن أن يحدث، للملوك باعتباره من صنع الله. لذا فإن أوليفر كرومويل يتقدم لكم بالشكر؛ فهو إذن لم يقتل الملك تشارلز وإنما قتلته مشيئة الله؛ وعندما يلقى مقلده الحالي المتغطرس المتباهي نفس مصيره قبل أوانه، فسيكون على مؤلفي وناشري هذه الحجة أن يتقبلوا تلك الحقيقة راغمي الأنوف. إن الملوك لا تخلعهم عن عروشهم معجزات، كما أن تغيير الحكومات لا يحدث بأي وسيلة سوى وسائل عادية وبشرية؛ كتلك التي نستخدمها الآن. حتى شتات اليهود، مع أنه تحقيق لنبوءة لمخلصنا، فإنه لم يحدث إلا بقوة السلاح. لذا إذا كنتم ترفضون أن تكونوا الوسيلة من جانب، فعليكم ألا تتوسطوا من جانب آخر؛ وعليكم الانتظار في صمت؛ وما لم تستطيعوا أن تأتونا بسلطان إلهي تبرهنون به على أن الرب القدير، الذي خلق هذا العالم الجديد واختار له أبعد موضع ممكن - شرقا وغربا - عن جميع بقاع العالم القديم، لا يرضى عن استقلال ذلك العالم عن بلاط بريطانيا الفاسد المنبوذ، أقول إنكم إن لم تستطيعوا أن تأتوا بسلطان كهذا، فكيف يمكنكم - استنادا إلى مبادئكم - أن تبرروا إثارة الناس وتحريضهم على «التوحد بقوة لرفض كل تلك الكتابات والإجراءات التي تدل على رغبة وعزم على قطع أواصر الصلة الهانئة التي جمعتنا حتى يومنا هذا بمملكة بريطانيا العظمى، وعلى التخلي عن خضوعنا الصائب والحتمي للملك، وأولئك الذين ولاهم السلطة الشرعية ويعملون تحت وصايته». ويا لها من صفعة! فأولئك الذين تخلوا بسكينة واستسلام في الفقرة السابقة مباشرة عن مهمة تنظيم وتغيير وخلع الملوك والحكومات وتركوا الأمر لمشيئة الله وحده، ينبذون الآن مبادئهم ويتقدمون لنيل نصيبهم من المشاركة في الأمر. فهل يمكن بأي حال أن يؤدي المبدأ المنصوص عليه إلى الاستنتاج الذي توصلنا إليه هنا على نحو منطقي ومنصف؟ إن التناقض أوضح من أن تخطئه العين؛ والسخافة أعظم من ألا تثير الضحك؛ ولا يمكن أن يصدر هذا إلا من أناس أظلمت مفاهيمهم بفعل الروح المشاكسة المنغلقة لحزب سياسي أصابه القنوط؛ إذ لا يمكن اعتباركم تتحدثون بلسان سائر جماعة الكويكرز وما أنتم سوى فرقة ضئيلة متعصبة منها.
إلى هنا تنتهي مراجعتي لحجتكم (التي لا أدعو أي إنسان لمقتها - كما فعلتم أنتم - وإنما أدعو لقراءتها والحكم عليها بإنصاف)؛ وأضيف إليها التعقيب التالي: «إن تتويج الملوك وخلعهم عن عروشهم» يعني بالتأكيد أن نتخذ ملكا من رجل عادي لم يكن كذلك، أو أن نخلع ملكا متوجا بالفعل عن عرشه. وأنشدكم الله أن تخبروني ما علاقة هذا بقضيتنا الحالية؟ إننا لا نريد أن ننصب أو أن نخلع ملكا، وكل ما نريده هو ألا تكون لنا أي صلة بالملوك. وهكذا فإن حجتكم أيا كان المنظور الذي نراها منه لا تحقق لكم شيئا سوى تلويث رأيكم وجلب العار لحكمكم، ولأسباب أخرى كثيرة كان من الأفضل نبذ تلك الحجة لا نشرها.
أولا:
لأنها تنزع إلى الانتقاص من قدر الدين والحط من شأنه، كما أنه من الخطر الشديد على المجتمع جعل الدين طرفا في النزاعات السياسية .
ثانيا:
لأنها تظهر جماعة من الناس على أنهم معنيون بها ومتفقون مع ما جاء فيها، مع أن أعدادا كبيرة منهم تتبرأ من نشر الحجج السياسية.
Bog aan la aqoon