Mantiq Ishraqi ee Suhrawardi la Dilay
المنطق الإشراقي عند السهروردي المقتول
Noocyada
ويعطينا الشهرزوري، تلميذ السهروردي، صورة واضحة لهاتين الحكمتين، فيقول: «جمع السهروردي بين الحكمتين، أعني الذوقية والبحثية. أما الذوقية فشهد له بالتبريز فيها كل من سلك سبيل الله عز وجل، وراض نفسه بالأذكار المتوالية، والمجاهدات المتتالية، رافضا عن نفسه التشاغل بالعالم. بالعالم الظلماني، طالبا بهمته العالمية مشاهدة العالم الروحاني. فإذا استقر قراره وتهتك بالسير الحثيث إلى معاينة المجردات أستاره، حتى ظفر بمعرفة ونظر بعقله إلى ربه، ثم وقف بعد هذا على كلامه؛ فلنعلم حينئذ أنه كان في المكاشفات الربانية آية، والمشاهدات الروحانية نهاية، لا يعرف غوره إلا الأقلون، ولا ينال شأوه إلا الراسخون. وأما الحكمة البحثية فإنه أحكم شأنها وشيد أركانها، وعبر عن المعاني الصحيحة اللطيفة بالعبارات الرشيقة الوجيزة، وأتقنها إتقانا لا غاية وراءه، لا سيما في كتابه المعروف ب «المشارع والمطارحات» فإنه استوفى فيه بحوث المتقدمين والمتأخرين، ونقض فيه أصول مذاهب المشائين، وشيد فيه معتقد الحكماء الأقدمين، وأكثر تلك البحوث والمتناقضات، وذلك على قوته في الفن البحثي والعلم الرسمي.»
46
ويستطرد الشهرزوري فيقول: «واعلم أنه لم يتيسر لأحد من الحكماء والعلماء والأولياء ما تيسر لهذا الشيخ من إتقان الحكمتين المذكورتين، بل بعضهم يسر له الكشف، ولم ينظر في البحث كأبي يزيد البسطامي و «الحلاج» ونظرائهما، وأما إتقان البحث الصحيح بحيث يكون مطابقا للوجود من غير سلوك وذوق فلا يمكن، وجميع الحكماء المقتصرين على مجرد البحث الصرف مخطئون في عقائدهم. فإن أردت حقيقة الحكمة وكنت مستعدا لها، فأخلص لله تعالى وانسلخ عن الدنيا انسلاخ الحية من جلدها عساك تظفر بها.»
47
وذلك لأن الحكمة الإشراقية، كما يرى السهروردي، لا يمكن تعلمها لا بفكر ولا بنظم دليل قياسي أو نصب تعريف حدي أو رسمي؛ بل بأنوار إشراقية متناوبة، وتشاهدها فوقها على العناية الإلهية، وهذه الحكمة الذوقية قل من يصل إليها من الحكماء ولا يحصل إلا للأفراد أو الحكماء المتألهين كأنباذوقليس وفيثاغورس وسقراط وأفلاطون وغيرهم من الأفاضل الأقدمين الذين شهدت الأمم المختلفة بفضلهم وتقدمهم.
48
وإذا كان السهروردي قد جمع بين الحكمتين الذوقية والبحثية؛ فيمكن تلمس هاتين الحكمتين عند الفيلسوف الإنجليزي «برتراند راسل»
Bertrand Russell ؛ حيث كتب رسالة في غاية الروعة عن العلاقة بين المنطق والتصوف؛ حيث عقد فصلا هو من أجود ما كتب في حياته الفلسفية، أراد أن يميز بين قطبي الرحى في حياة الإنسان الثقافية اللذين هما بصورة مجملة التصوف في ناحية، ومنطق العقل في ناحية أخرى؛ ففي الحالة الأولى يكون الإدراك مباشرا وبغير مقومات، وفي الحالة الثانية على «التحليل»، بينما يرفض أصحاب الحالة الأولى كل ضروب «التحليل»، وأطلق «راسل» على بحثه ذاك عنوان «المنطق والتصوف»
Mysticism and Logic ، ثم جعل العنوان نفسه عنوانا لكتاب يضم ذلك الفصل من فصول أخرى، وإنه مما يفيدنا في هذا الموضوع أن نوجز ما قاله «راسل» في العلاقة بين المنطق والتصوف؛ يقول «راسل»: «لقد سار الإنسان في محاولته أن يتصور العالم من حيث هو كل واحد مدفوعا بدافعين مختلفين كل الاختلاف، وقد يتلاقى هذان الدافعان معا في إنسان واحد، وقد لا يتلاقيان؛ فأولهما هو الذي يحفز الإنسان إلى النظر إلى الوجود نظرة المتصوف، وأما الثاني فيحفزه إلى النظر بوسيلة العقل نظرة العلماء، ولقد استطاع أعظم الرجال أن يبلغوا قمة العبقرية بالدافع الأول وحده، كما استطاع أيضا أعظم الرجال أن يبلغوا قمة العبقرية بالدافع الثاني وحده . ولكن أعظمهم جميعا هم أولئك الذين اجتمعت لهم عناصر المعرفة العقلية وعناصر الإدراك الصوفي في آن معا.»
49
Bog aan la aqoon