لعمري! لما كان الرجل يميل إلى «الفلاسفة»، ومن مذهبهم، أنه ليس «علم» الباري تعالى علما انفعاليا، أي تابعا للمعلوم، بل علمه علم فعلي، فهو من حيث هو عاقل «عالم»، وعلمه هو الذي أوجب الفعل، وإنما يتعلق بالموجود حال حدوثه لا محالة، ولا يجوز تعلقه بالمعدوم على استمرار عدمه، وأنه «علم» و«عقل»، وكونه عاقلا، ومعقولا، شيء واحد، فقال «ابن عباد»: لا يقال يعلم نفسه، لأنه يؤدى إلي تمايز بين العالم والمعلوم، ولا يعلم غيره، لأنه يؤدي إلى كون «علمه» من غيره يحصل. فإما أن لا يصح النقل، وإما أن يحمل على مثل هذا المحمل. ولسنا من رجال «ابن عباد»، فنطلب لكلامه وجها.
7 - المردارية
أصحاب «عيس بن صبيح» المكنى «بأبي موسى»، الملقب «بالمردار». وقد تتلمذ «لبشر بن المعتمر»، وأخذ العلم منه، وتزهد، ويسمى راهب المعتزلة.
وإنما انفرد عن أصحابه بمسائل:
الأولى منها: قوله في «القدر»، إن الله تعالى، يقدر على أن يكذب، ويظلم، ولو كذب وظلم، كان إلها كاذبا ظالما، تعالى الله عن قوله.
والثانية: قوله في «التولد»، مثل قول أستاذه، وزاد عليه، بأن جوز وقوع فعل واحد، من فاعلين، على سبيل «التولد».
الثالثة: قوله في «القرآن»، إن الناس قادرون على مثل القرآن، فصاحة، ونظما، وبلاغة، وهو الذي بالغ في القول، بخلق القرآن، وكفر من قال بقدمه بأنه قد أثبت قديمين، وكفر أيضا من لابس السلطان، وزعم أنه لا يرث ولا يورث. وكفر أيضا من قال: إن اعمال العباد مخلوقة لله تعالى. ومن قال: إنه يرى بالأبصار. وغلا في التكفير، حتى قال: هم كافرون في قولهم «لا إله إلا الله».
وقد سأله «إبراهيم السندي» مرة، عن أهل الأرض جميعا، فكفرهم.
فأقبل عليه «إبراهيم»، وقال: الجنة التي عرضها السموات والأرض، لا يدخلها إلا أنت. وثلاثة وافقوك؟! فخزى ولم ويحر جوابا.
وقد تتلمذ له أيضا: «الجعفران»، و«أبو زفر»، و«محمد بن سويد». وصحب «أبو جعفر محمد بن عبد الله الاسكافي» و«عيس بن الهيثم» «جعفر بن حرب الأشج».
Bogga 170