والمسألة: أن وجودهما يقتضي تعلق الحكم بهما، لا أنه يقدح فيما دل على أنهما علة أو دلالة، وانما يعترض على الكلام، بالأمور التي تجرى مجرى الضرورة، فيكون كاشفا، عن خروج الدلالة، من أن تكون دلالة.
وأجاب أبو هاشم بقوله: «بأن التحدي بهذه الكتب لا يصح، لأنه لو صح لكان إنما يقع التحدي، بمعناه لا بلفظه، ومعناه لا يقع على وجه يتفاضل، لأن الحساب والهندسة لا يجريان إلا على وجه واحد، لأن أصله الضرب والقسمة، والحال فيهما لا تختلف، وإنما يتقدم فيهما المتقدم للدربة، وفضل المحاضرة والفطنة، فلا يصح أن تقع فيه طريقة التحدي، وليس كذلك الكلام، لأنا قد بينا: أنه يقع في قدر الفصاحة، على مراتب ونهايات، فيصح فيه طريقة التحدي».
ويعقب القاضي بعد ذلك قائلا: «وبعد ... فان من الزم هذا السؤال، قد دل من حاله على قلة فهم، بما تقول في القرآن، لأنا بينا أولا من جهة الاضطرار كونه، واختصاص الرسول، عليه السلام به، وبينا ما وقع فيه من التقريع والتحدي، والحرص الشديد على إبطال حال النبي، صلى الله عليه وسلم، وبينا تعذر المعارضة، بالوجوه التى بيناها، وإنما يلزم ما سأل عنه، لو تساوى القرآن في هذه الوجوه، فمن أين أنه وقع فيه الحرص، على الحد الذي وقع في القرآن؟».
وقد يجوز أن يكون في وقت «اقليدس»، لم يكن له بما صنعه من الرئاسة، ما يقتضي التنافس والحرص، ثم من أين أنه لم يفعل مثله، مع تجويزنا لبعد العهد، أن يكون في الزمن من كان يفوقه، وإن لم يصنف أو يكون قد صنف ولم ينقل تصنيفه، لأن بعد العهد، فيما لا تشتد الحاجة إليه، والدواعي، تقتضي جوازا أن لا ينتقل ما جرى هذا المجرى، ثم من أين، إن لم يثبت ما ذكرنا، أن الذي صنفه انفرد به، دون أن يكون تلقنه من العلماء، وجمعه من كلامهم، كما يجمع العالم غيره، فيختص بالجمع، لا بالابداع، على ما نعلمه من حال علماء الاسلام، لأن المتعالم من حال أهل العراق في تقريع الفقه أنهم بانوا من غيرهم، لا لأنهم أبدعوا ذلك، لكنهم أخذوه عن الغير ثم بذلوا الجهد في التفريع.
وكذلك القول في «سيبويه» فيما جمعه من النحو، فاذا أمكن ذلك فمن أين أنه كالقرآن؟
Bogga 125