فمن الأول: قوله لأبي ذرٍّ: "إنَّكَ امرؤٌ فِيْكَ جَاهِلِيَّةٌ" (^١)، وقول عمر: "إني نذرت في الجاهلية" (^٢)، وقولهم: يا رسول الله! كنا في جاهليةٍ وشرٍّ (^٣) . أي: في حال جاهلية، أو طريقة أو عادة ونحوه، فإن الجاهلية وإن كان في الأصل صفة، لكنه غلب عليه الاستعمالُ حتى صار اسمًا، ومعناه قريب من معنى المصدر.
وأما الثاني: قولهم: "طائفة جاهلية، وشاعر جاهليٌّ"، وذلك نِسبةً إلى الجهل الذي هو عدم العلم أو عدم اتباع العلم، فإن من لم يعلم الحقَّ، فهو جاهلٌ جهلًا بسيطًا، فإن اعتقد خِلافَه؛ فهو جاهل جهلًا مركَّبًا، فإن قال خِلافَ الحق عالمًا بالحقِّ أو غير عالم فهو جاهلٌ -أيضًا-، كما قال: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (٦٣)﴾ [الفرقان: ٦٣]، وقوله: "إذا كان أحَدُكُمْ صَائمًا فلا يَجْهَل" (^٤)، وقول الشاعر (^٥) من هذا الباب:
ألَا لا يَجْهَلَنْ أحدٌ علينا ... فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجاهِلِيْنا
وكذلك من عمل بخلاف الحق، فهو جاهل وإن علمَ أنه مخالف