99

Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir

المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي

Noocyada

يستبطن واقع الأمة كثيرا من مظاهر العلمنة في وجدانه وطقوسه الدينية، وموقفه مما يجري من الأحداث والتحولات وما يتلقاه من وسائل الإعلام، وما يختزنه من كل ما يرد إليه من السلع والماركات المسجلة، فهو يستبطن ما سماه عبد الوهاب المسيري ب «العلمنة البنيوية الكامنة» التي تتسرب إلينا وتتغلغل في وجداننا دون أي شعور منا من خلال منتجات حضارية يومية وأفكار شائعة وتحولات اجتماعية تبدو كلها بريئة، أو لا علاقة لها بالعلمانية أو الإيمانية، ولكنها في واقع الأمر تخلق جوا خصبا مواتيا لانتشار الرؤية العلمانية الشاملة للكون وتصوغ سلوك من يتبناها وتوجهه وجهة علمانية».

138

هي إذن معركة ثقافية بامتياز ليس في اتجاه النخب، وإنما في اتجاه المجتمع ومؤسساته الحاضن الأقوى لقيم العلمنة رغم بعض مظاهر التدين التي تظهر في سلوكاته، وبعض مواقف الرفض التي يعلنها الشارع العربي ومؤسساته. (3) المبحث الثالث: ملاحظات نقدية حول الاشتغال المنهجي في الفكر العلماني العربي المعاصر

إن الإلغاءات القسرية التي مارسها تيار العلمنة في الفكر العربي المعاصر لا شك أنها أضرت بكثير من قناعات عقل هذا الفكر، وتركت آثارها السلبية على جزء كبير من منظومة التفكير للإنسان العربي المسلم، وشوهت معالمه الثقافية ودفعته في اتجاه التفكيك والتشتيت؛ تفكيك للعروة الوثقى بين الأبعاد المادية والقيمية في سلوكه، وتدمير مركبات الوعي حين حولت الدين إلى دوائر هامشية مستقلة وفي زاوية ضيقة لا علاقة له بصناعة أشكال الوعي المتعددة.

فصل أنتج أيضا قلقا معرفيا شديد الحساسية، انتهى إلى بدء رحلة جديدة في مسار طويل من تاريخ الفكر العربي المعاصر، هي رحلة الهوية الحضارية المتكاملة الأبعاد، جعلته يعيد تقليب الملفات الكبرى التي أرغمته على تلك الرحلة الفاشلة والمتعبة، رحلة الوعي العكسي من الغيرية إلى الذات، إلى الوعي السوي من الذات وأفقها إلى الغيرية وعلاقتها بالذات. ليس هذا فحسب في عالمنا العربي الإسلامي؛ بل في عالم الغرب الذي لم يعد يطيق عوالم متعددة في عالم واحد؛ لهذا فإن مراجعة هذه المدرسة على مستوى مرجعياتها وآلياتها يرينا حجم الدمار الذي تعرض له عقل الفكر العربي الإسلامي، وكذا حجم المعاناة التي عاناها جراء هذا التبني غير الشرعي لفكر الغير واحتضانه.

إن «الخطاب العلماني خطاب حلولي، هو خطاب يؤله الإنسان، وحينما يؤله الإنسان نفسه فإنه يلغيها»،

139

وهو ما يفسر الاهتمام المتزايد لدعاة العلمانية بوحدة الوجود عند كل من الحلاج وابن عربي وأبي حيان التوحيدي، وهي مقدمة العلمانية، حيث تعتبر الإنسان مرجعية ذاته.

ف «التفسيرات الحرفية التي تطابق بين النص القرآني والواقع التاريخي أو الحقائق العلمية تسقط فيما يسمى عصر الربوبية، وهي الدعوة التي ظهرت في القرن الثامن عشر في أوروبا فيما يسمى عصر العقل والاستنارة، والتي ترى أنه بوسع الإنسان أن يصل إلى حقيقة الكون وإلى منظومات أخلاقية ومعرفية وجمالية دون حاجة لوحي، وإنما من خلال عقله.»

140

Bog aan la aqoon