Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir
المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي
Noocyada
10
وظهرت دعوة هذا الاتجاه قوية في تبني مقولات المناهج الغربية وامتدت لتشمل كل ميادين البحث: الإنسانية، والاجتماعية، والنفسية، والاقتصادية ... فجعلوا التجربتين المسيحية والإسلامية تشتركان على مستوى المقدمات المعرفية، وتصوراتها لكثير من الحقائق المعرفية والكونية والإنسانية، واعتمادهما على المنحى نفسه في التحليل؛ لهذا نجد عند هذا الاتجاه إصرارا غير مسبوق في الدعوة إلى قراءة مقدمات انتقال أوروبا من العصور الوسطى إلى العصر الحديث، كما حاول افتعال الصراع بين التحليل العقلي العلمي والتفسير الديني في ثقافة الأمة، وبين مدارسها الفكرية.
فالذي وقع في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية إنما هو نوع من الثراء الفكري فالصراع ليس «صراعا بين عقل ولا عقل، وإنما هو صراع فيما بين مقولات يحمل كل منها عقلا محددا، ومن ثم يمكن تحديد الخلافات الجوهرية بين المقولات (...) ولهذا فمن الخطأ أن تسحب التجربة التاريخية الأوروبية فيما يتعلق بالصراع بين الكنيسة وخصومها على ما يجري من صراع في ساحتنا، فالسمات هنا مختلفة في حالة المتصارعين حين تقارن بالسمات التي مثلت المتصارعين هناك.»
11
ف «العقل الذي يعتمد على منهج القياس كأسلوب وحيد للمعرفة والمحاجة يتحول بين الأشلاء الناتجة عن عملية التفكيك. لا ثقافة العرب ولا حضارة الغرب تدخل في وعيه كعملية متكاملة أو كسيرورة تاريخية، كماض وكمستقبل. إنها تلغي التاريخ والمستقبل، لا ترى من تراث الشرق أو الغرب إلا لحظات متقطعة من قبلها ومما يليها، فهي لحظات ثابتة راكدة راهنة. الحاضر وحده هو الزمن بالنسبة لهذا الوعي.»
12
وقد مثل هذه المرحلة من التفكير أغلب اتجاهات الفكر العربي المعاصر من القوميين واليساريين والعلمانيين، قبل أن تحدث بعض الارتدادات الإيجابية النسبية من هذه الاتجاهات، فالقومية العربية كانت في بداية تشكلها تيارا علمانيا قبل أن تعدل من مفردات خطابها وتنقحها من بعض المشوشات وترتبط بالماضي العربي، وتاريخه ورموزه مع إيمانها بضرورة الاستفادة من الآخر، وفق هذه المحددات (اللغة، التاريخ، المصير المشترك) مع ارتباط محتشم بالدين أثناء مراجعات هذا التيار لأطروحاته تعتبره ضمير الأمة الجمعي، لكن دون أن يكون عنصرا فاعلا في النهضة والتحديث.
أما تيار الاستقلال عن التصورات الدينية (الإسلام) وتكريس قطيعة نهائية مع التفسيرات العقائدية ومفارقات العقل السلفي. فتيار اليسار الماركسي العربي الراديكالي الذي يرى في الانخراط الكلي في الآخر، وفي مشروعه ومدارسه من خلال تبني المدرسة الماركسية بأدواتها ومفاهيمها مدخلا أساسيا في معالجة مشكلات العجز، والتأخر التاريخي كمنهج مطبق لا كمنهج لتطبيق - بتعبير الجابري.
أما الوجه الآخر لهذا التيار الإسقاطي الذي جعلناه أنموذجا للاشتغال، فالأمر يتعلق بالمفكر الجزائري محمد أركون من خلال مشروعه الفكري (نقد العقل الإسلامي) والدعوة إلى علمنة المجتمعات العربية الإسلامية.
مشروع تؤطره مجموعة من الهواجس والإشكالات منذ البداية هي منطلقه ومرتكزه في إنجاز ما أسماه ب «إحياء الاجتهاد في الفكر الإسلامي المعاصر» وتأسيس تاريخي منفتح وتطبيقي لهذا الفكر متجاوزا كل الحدود والحواجز التي فرضتها العقلية الوثوقية و«منفتح على علوم الإنسان والمجتمع ومناهجها وتساؤلاتها كما هي ممارسة عليه اليوم في الغرب، وتطبيق عملي في نفس حركة البحث ؛ لأنه يهدف إلى تلبية حاجيات وآمال الفكر الإسلامي المعاصر وسد نواقصه منذ أن اضطر هذا الفكر لمواجهة الحداثة المادية والعقلية .»
Bog aan la aqoon