Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir
المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي
Noocyada
وشعور وقيدي بنوع من الضبابية المفهومية المستعارة، وقضايا الفكر العربي المعاصر، وهمومه؛ جعله يتساءل عن السبب الذي من أجله لم تنشأ عندنا فلسفة عربية مستقلة، ليس بمعنى الاستقلال المطلق عن التراث الغربي، لكن بالمعنى الذي تكون فيه تعبيرا عن الذات، والمنحى نفسه نجده عند طه عبد الرحمن في كتابه «فقه الفلسفة»، هذه الفلسفة التي ظلت رهينة القوالب والمقاسات المنهجية الغربية، فالترجمة لا تنتج فلسفة ولا فكرا ولا منهجا، فهي غير كافية في الإنتاج المعرفي، فهي في أحسن الأحوال تكرار لمفاهيم غربية بلغة عربية.
أما الأستاذ كمال عبد اللطيف فقد اتجه إلى كشف بعض تناقضات المشروع، أثناء نقده لنماذج فكرية وفلسفية واستعانته بنماذج في التفكير أو البرهنة أو في النتائج المتوصل إليها يقول: «لقد انتقد الجابري المنظومة المرجعية الغربية الليبرالية والماركسية الدوغمائية وقد أطلق عليها اسم «سلف الليبرالي والماركسي العربي» وانتقد المنظومة العربية الإسلامية وسماها «سلف الشيخ» وأثناء نقده للمنظومات المرجعية المذكورة كان يستعين بالتراث الفلسفي الغربي في أبعاده النقدية، ويدعو إلى تتميم ما بدأته الرشدية والخلدونية ومباحث الأصول التي أنتجها الشاطبي، فهل يتعلق الأمر بتوفيقية جديدة؟ وهل «الاستقلال» المقصود مزيج من قبيل ما ذكرنا؟ وفي سياق هذه الكتابة، يضيف الباحث: نجد أنفسنا أمام اختيارين؛ [أولا:] التفتح الفكري الفلسفي الذي يتيح للباحث معاصرة بلا حدود، [ثانيا:] التقوقع الأيديولوجي القومي الذي لا يتوقف عن التذكير بالحدود والفواصل والأزمنة داخل الزمان.»
178
ويؤاخذ كمال عبد اللطيف الجابري على هذه التوفيقية وما يشوبها من التباس، والحسم - يقصد بالدرجة الأولى موقف العروي من التراث، الذي خالفه الجابري - في الاختيار لنموذج نقدي، دون نماذج أخرى باسم الاستقلال والخصوصية؛ فإنه لم يولد في نظره سوى العقم، وتدعيم التأخر، هكذا تكلم كمال عبد اللطيف، في سياق الدفاع عن أطروحة العروي النقدية التي حسمت مع التراث، من خلال طي صفحته.
أما الرؤية النقدية الثالثة فيمثلها سعيد بنسعيد الذي اتجه إلى العمق التحليلي نفسه الذي اعتمده الجابري، النقد الإبستيمولوجي وتحدث عن البلبلة التي أثارها ويثيرها انتقال المفاهيم المنهجية من العلوم الحقة (مجال الرياضيات والفيزياء) إلى العلوم الإنسانية في الفكر الغربي، وصعوبة تداولها في الفكر العربي، حين نقل المفاهيم كما ولدت وجربت عند المشتغلين بالعلوم الإنسانية في العالم الغربي وفي فرنسا بصفة خاصة إلى مجال اشتغاله،
179
فالمفاهيم التي اشتغل عليها الجابري في مشروعه - حسب تقدير بنسعيد - مرت في انتقالها من مراحل شوشت على طراوتها المعرفية والمنهجية، من مجالها الأصلي (الفيزياء) إلى مجال العلوم الإنسانية في الغرب، ثم إلى مجال التراث العربي، وهو ما يقوي من إمكانية تقويض المفهوم المنقول لبعض وظائف المتن التراثي العربي.
أما ملاحظات نور الدين أفاية فقد مست غموض النقد الإبستيمولوجي عند الجابري، وأنه غير محدد بما فيه الكفاية، وأن النقد عنده يتداخل مع القراءة التشخيصية وأحيانا يدل على استراتيجية تهدف إلى تأزيم الثقافة العربية من خلال ما أسماه ب «أزمة الأسس وإعادة التأسيس»، ومن خلال الكشف عن مناطقها، ومكوناتها التأسيسية.
180
هي محاولات نقدية جريئة تؤمن بضرورة إعادة التأسيس، والتدقيق في مخرجات المشروع النقدي للعقل العربي، هي نقد النقد في سياق تطوير وتثوير المشروع الجابري، حيث كشفت عما اعتبرته جنوحا في فكره. وآلياته التفسيرية عبرت عنه المفاهيم الإبستيمولوجية التي تبناها مثل مفهوم القطيعة الذي شوش على مشروعه، وإن سلك في استدراكاته على المفهوم مسلك التوسط بعيدا عن القطيعة الكبرى كما نجدها عند التيارات اليسارية الماركسية «العروي وحسين مروة»، وتنشيط هذه الآليات وفق مطامحه الأيديولوجية.
Bog aan la aqoon