131

Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir

المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي

Noocyada

هذه هي أمهات القواعد التي أسس عليها طه عبد الرحمن عمله الاجتهادي المتواصل في استئناف العطاء المعرفي الإسلامي المعاصر المبني على النظر المسدد بأخلاق الدين ومقاصده، ولأن «النمط المعرفي الحديث غير مناسب إن لم يكن غير صالح للتوسل به في بناء معرفة إسلامية حقيقية؛ لأن مناهجه العقلية ونتائجه العلمية تنبني على أصلين؛ أحدهما: فصل العلم عن الأخلاق، ويتفرع عليه مبدأ الموضوعية الجامدة، ومبدأ التساهل المسبب. والثاني: فصل العقل عن الغيب، ويتفرع عليه مبدأ السببية الجامدة، ومبدأ الآلية المسيبة»،

43

فتحتاج الأمة إلى نمط معرفي محفوظ من هاتين الآفتين: آفة الانقطاع عن الأخلاق، وآفة الانقطاع عن الغيب.

وقد زاوج في مساره النقدي بين الآليات المادية والمعنوية، تكاملية من شأنها أن تعيد للعقل العربي الإسلامي صفاءه وفاعليته في النهوض الحضاري المعاصر، ف «ينهض على تطهير نفسه من الطبقات العقلية والمحلية الموروثة عن النمط المعرفي المتداول، كما تعيد إليه رسوخ وحدة النظر، فينهض إلى تجديد المعرفة تجديدا يزداد فيه عملا بعلمه وكمالا بعقله، فيكون علمه نافعا وعقله كاملا».

44

ولأول مرة - على مستوى المنهج - تصدر دراسات ذات عمق منهجي تتخذ من الإسلام مرجعية الانطلاق في الفكر العربي المعاصر، في مساءلة النمط المعرفي الغربي الحداثي خارج الآليات المعهودة، و«أخلاقيات السطح»؛ لأن أمر الحداثة وفتنتها واعوجاجاتها بلغت مبلغا لا ينفع في تقويمها اعتماد هذه الآليات المنهجية، فدفع هذه الأسباب المؤذية التي خلقتها الحداثة وما كسبت لا يكون إلا بقيم تعلو درجات على هذه الأسباب.

وجاءت الممارسة النقدية عنده تحمل عناصر الجدة والإبداع غير معهودة عند من سبقوه في هذا المجال. يقول: «جئنا بنقد أخلاقي غير معهود لمظاهر أساسية من الحداثة تعد عند سوانا سببا يحمله على تعظيم أمر الحداثة الغربية، في حين تعد عندنا سببا يدعونا إلى تعظيم حاجتنا إلى أخلاق الدين لحصول الانتفاع بهذه الحداثة»،

45

وإلا ظل الجهد ضائعا والتحليل والنقد خاليا من أية قيمة إنسانية، وبعد علمي يراعي حقوق الآخرين في السؤال والأخذ والرفض، واختيار أدوات الحكم على الأشياء والأفكار، أما الدعوة إلى تسوية المفاهيم المنهجية على عقل واحد فذلك تحكم ومصادرة للمطلوب. فيحدد اختيارات الأمة الكبرى التي لا تقبل المساومة (الإسلام) أرضية الإبداع والبناء والتوجهات، لا أخلاق علمية ولا علمانية كما يتوهم أهل الحداثة عندنا، ليؤسس لمشروع معرفي ناهض تحدده أخلاق الإسلام ونظامه المعرفي والمنهجي، مع الانفتاح الواعي والمبصر على مستجدات المعرفة الإنسانية ومناهجها.

وإذا كان من فضل لهذه المدرسة فإنها استطاعت أن تخرج الفكر العربي الإسلامي من النماذج الفكرية المتأرجحة الخارجية وتقترح بدائل واقعية وعملية، وأن تبدع في إطار الثوابت الفكرية والمنهجية للأمة، وتقدم قراءة جديدة لواقع الفكر العربي المعاصر، وتشخص أزماته المركبة، وأن مبلغ هذا الفكر هو تكرار وتقليد أقوال وأفعال الآخرين دون أن يمتلك الجرأة الكافية في أن يقول لنا منهجنا ولكم منهجكم.

Bog aan la aqoon