Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir
المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي
Noocyada
الهروب من الماضي العربي لا يفسره إلا السقوط المريب والمخزي في الماضي الغربي، فهم في كلتا الحالتين ماضويون.
وهذه أخطر حالات الاغتراب، فكان أمرهم عجيبا؛ فهم يدعون إلى «الانقطاع عن تراثهم، ويمجدون تراث غيرهم، وتهربا من مواجهة حاضرهم أو ماضيهم ينتقدونه جملة وتفصيلا لتبرير اتباع حاضر غيرهم، فالحداثة تعني عندهم انقطاعا عن الماضي إذا كان هذا الماضي هو ماضي الذات العربية، أما إذا كان ماضي الغرب فهي اتصال واستمرار وثيقان، هما آفتان خطيرتان تلازمان هذا الفكر: آفة الانقطاع وآفة الاتصال»،
164
مما يجعل الدعوة إلى الانخراط في التراث وحل مشكلات المجتمع العربي دعوى فارغة من محتواها، وغير ذات موضوع في الخطاب الحداثي.
وبفعل الغفلة والتغافل عن الشروط الذاتية لاستنبات الحداثة وتأصيلها ساد الاضطراب المنهجي والازدواجية في كل المشاريع الفكرية التي قاربت مشكلة التأخر والتخلف العربي الإسلامي. وهكذا لم يتمكن «الحداثيون العرب من بلورة مفاهيم وأطر فكرية وثقافية لتطلعهم الفكري والسياسي بعيدا عن النموذج الغربي، وانحصرت جل أطروحاتهم ومشاريعهم في تمثل التجربة الغربية، واعتبر بعضهم (...) أن التغريب شرط ضروري لا بد منه للتحديث»،
165
وكتابات أركون وعبد الله العروي لا تخرج عن هذا السياق، بل أكثرها دعوة لتسليم الأمة إلى رياح التغريب وتخريب المناعات الذاتية لها.
إن عملية «التحديث كعملية مجتمعية ليست مرتبطة بمركز الغرب ومحوريته بشكل عفوي وكامل، فهو ليس وحده الذي وصل إلى مستوى متقدم من التحديث، فالكثير من الشعوب، قديما وحديثا وصلت إلى مستوى متطور من الحداثة والتحديث بعيدا عن مركزية الغرب ونمطه الحداثي»،
166
لكن رغم ذلك بقي التعميم السمة الغالبة لهذه الكتابات لنموذج معرفي محكوم بظروف داخلية وتاريخية غير قابلة للتكرار، وبهذا فإن مفتاح الحداثة عندنا ليس على هذه الشاكلة، وإنما من خلال «استنفار الجهود العقلية والعلمية الذاتية في اتجاه التطوير والنهضة، وكل تحديث لا ينطلق من الذات بإمكاناتها وآفاقها سيتحول إلى مشروع يناقض الحداثة.»
Bog aan la aqoon