Manhaj al-Imam Taj al-Din al-Subki fi Usul al-Fiqh
منهج الإمام تاج الدين السبكي في أصول الفقه
Noocyada
هذا هو موقف التاج السبكي من السياسة، وهذا رأيه فيها، ومع ذلك فلم يكن بعيدًا عنها، وقد وجدته كثيرًا ما ينتقد تصرفات الحكام والسلاطين، فمن ذلك ما دَوّنه في كتابه العظيم «معيد النعم» حيث قال مُوجّهًا خطابه إلى الخلفاء والسلاطين وولاة الأمور: «إذا ولاك الله تعالى أمرًا على الخلق فعليك البحثُ عن الرعية، والعدلُ بينهم في القضية، والحكمُ فيهم بالسوية، ومُجانَبة الهوى والميل، وعدمُ سماع بعضهم في بعض، إلا أن يأتيَ بحجة مبيّنة، وعدمُ الركون إلى الأسبق، فإن وجدت نفسك تُصغي إلى الأسبق وتميل إلى صدقه؛ فاعلم أنّك ظالم للخلق، وأنّ قلبك إلى الآن متقلّب مع الأغراض، يُميلُه الهوى كيف شاء [إلى أن قال]: وقد اعتبرتُ كثيرًا من الأتراك فوجدتهم يميلون إلى أول شاك، وما ذاك إلا للغفلة المستولية على قلوبهم التي صيّرت قلوبهم كالأرض الترابية التي لم تُروَ بالماء» (١).
وقال مبيّنًا للسلاطين حقيقة أمرهم وحقيقة الخلافة: «وأن تعرف أنّك أنت والرعية سواء لم تَتَميّز عنهم بنفسك، بل بفعل الله تعالى الذي لو شاء لأعطاهم ومنعك، فإذا كان قد أعطاك الولاية عليهم ومنعهم فما ينبغي أن تتمرّدَ وتستعين بنعمته على معصيته وأذاهم، بل لا أقَلّ من أن تتجنّبَ أذاهم وتكُفَّ عنهم شَرَّك، وتُجانبَ الهوى والميلَ والغَرَض، فنعمة الولاية لا تتطلب منك غير ذلك» (٢).
وقال أيضًا مبيّنًا ما على السلطان من وظائف: «فمن وظائف السلطان تجنيد الجنود، وإقامة فرض الجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى، فإنّ الله تعالى لم يُوَلّه على المسلمين ليكون رئيسًا آكلًا شاربًا مستريحًا، بل لينصُرَ الدين وُيعلي الكلمة، فمن حقه ألا يدعَ الكفار يكفرون أَنعُم الله، ولا يؤمنون بالله ولا برسوله، فإذا رأينا ملكًا تقاعد عن هذا الأمر، وأخذ يظلم المسلمين، ويأكل أموالهم بغير حق ثم سلبه الله نعمته وجاء يعتب الزمان، ويشكو الدهر أفليس هو الظالم، وقد كان يمكنه بَدَل أَخْذ أموال المسلمين وظلمهم أن يُقيمَ جماعةً في البحر يتلصّصون أهل الحرب؟! فإن كان هذا الملك شجاعًا ناهضًا فَلْيُرِنا همته في أعداء الله الكفار، ويجاهدهم ويتلصّصهم، ويُعملَ الحيلة في أخذ أموالهم حِلًا وبِلًا (٣) ويدعَ عنه أذية المسلمين» (٤).
يالها من كلمات قاسية الوقع عظيمة الأثر، لا يفوه بها إلا من كان يتمتع بصفات عالية من الجرأة والشجاعة التي لا يتصف بها إلا من كان من أمثال التاج السبكي (٥).
_________
(١) التاج السبكي، معيد النعم ص ١٣
(٢) التاج السبكي، معيد النعم ص ١٤
(٣) أي مباحا، الرازي، مختار الصحاح ص ٢٦ مادة بلل
(٤) التاج السبكي، معيد النعم ص ١٧
(٥) انظر المزيد من هذه المواقف في أمر التاج السبكي بالمعروف ونهيه عن المنكر ص ٥٤ من هذه الرسالة
1 / 14