[5] والعلة في ذلك أن البعد المتفاوت الخارج عن عرض الاعتدال بالقياس إلى جملة المبصر قد يخفى منه كل واحد من أجزائه الصغار على انفراده. فالمبصر المختلف الألوان إذا كان على بعد متفاوت بالقياس إلى جملة المبصر، وكان كل واحد من أجزائه المختلفة الألوان يخفى مقداره ويخفى كل مبصر يكون على مقداره من ذلك البعد لصغر حجمه بالقياس لى ذلك البعد، وكان مقدار جملة المبصر لا يخفى من ذلك البعد لاقتدار جملة حجمه بالقياس إلى ذلك البعد، فإن البصر يدرك جملة المبصر من ذلك البعد المتفاوت الذي يخفى منه كل واحد من أجزائه على انفرادها، وإن لم يظهر منه حقيقة صورته على تفصيلها، ولم يظهر كل واحد من أجزائه على انفرادها إذا لم يكن البعد في غاية التفاوت الذي يخفى منه جملة المبصر. وإذا أدرك البصر جملة المبصر فهو يدركه ذا لون على تصاريف الأحوال، وإذا لم يدرك كل واحد من أجزائه على انفراده لم يتميز له اختلاف ألوان الأجزاء، وإذا أدرك جملة المبصر ذا لون ولم يتميز له اختلاف الألوان التي فيه فهو يدركه ذا لون واحد مشتبه.
[6] فالمبصر إذا كان ذا ألوان مختلفة، وكان كل واحد من أجزائه المختلفة الألوان صغير الحجم، وكان بعد المبصر عن البصر بعدا متفاوتا يخفى منه كل واحد من الأجزاء على انفرادها وتخفى منه حقيقة صورة ذلك المبصر ولا تخفى منه جملة المبصر، فإن البصر يدرك ذلك المبصر ذا لون واحد وهو ذو ألوان مختلفة فيكون غالطا فيما يدركه من لونه. واللون يدرك بمجرد الحس، فيكون هذا الغلط غلطا في مجرد الحس، ويكون علة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال. لأن المبصر الذي بهذه الصفة إذا كان على بعد معتدل يصح أن يدرك منه البصر كل واحد من أجزائه المختلفة الألوان على انفراده، فإن البصر الناظر إليه يدرك كل واحد من أجزائه على انفرادها ويدرك ألوانها على ما هي عليه إذا كانت المعاني الباقية التي فيه التي بها يتم إدراك المبصر على ما هو عليه في عرض الاعتدال. فعلى هذه الصفة وأمثالها يكون غلط البصر في مجرد الحس من أجل خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال.
Bogga 392