[95] ووضع كل موضوع عند غيره إنما يتقوم من بعد ذلك الموضوع عن ذلك الغير ومن نصبة ذلك الموضوع بالقياس إلى ذلك الغير. فمقابلة المبصر للبصر تتقوم من بعد المبصر عن البصر ومن الجهة التي فيها المبصر بالإضافة إلى البصر. فأما إدراك بعد المبصر فقد تبين أنه معنى قد استقر في النفس. فأما جهة المبصر فإن الحاس يدركها من وضع البصر في حال الإبصار. وذلك أن البصر إنما يدرك المبصر في مقابلته وعند محاذاة البصر للجهة التي فيها المبصر. والجهات يدركها الحس ويدركها التمييز، ويفرق الحس والتمييز بين الجهات وإن لم يكن فيها شي ء من المبصرات. ويفرق التمييز بين الجهة المحاذية للبصر والقريبة منها، وتدرك القوة المميزة جميع الجهات بالتخيل والتمييز. فإذا كان البصر محاذيا لجهة من الجهات وأدرك مبصرا من المبصرات، ثم أعرض عن تلك الجهة وحاذى جهة غيرها، بطل إبصار ذلك المبصر. وإذا عاد إلى محاذاة تلك الجهة عاد إبصار ذلك المبصر.
[96] وإذا كان البصر يدرك المبصر عند محاذاته للجهة التي فيها المبصر، وكانت القوة المميزة تدرك الجهة المحاذية للبصر في حال إدراك ذلك المبصر، وكان البصر إذا عدل عن محاذاة تلك الجهة بطل إبصار ذلك المبصر، فالقوة المميزة تدرك أن المبصر إنما هو في الجهة المحاذية للبصر في حال إبصار ذلك المبصر. فمن ماذاة البصر للجهة التي فيها المبصر في حال الإبصار قد تعين للحاس وللقوة المميزة الجهة التي فيها المبصر.
[97] وأيضا فإنه قد تبين أن البصر متخصص بقبول الصور من سموت خطوط الشعاع، وأنه ينفعل بالصور من سموت هذه الخطوط فقط. وقد تبين أيضا أن الصور تمتد في جسم البصر على استقامة خطوط الشعاع. فإذا حصلت صورة المبصر في البصر فإن الحاس يحس بالصورة ويحس بالجزء من البصر الذي فيه حصلت الصورة، ويحس بالسمت الذي فيه تمتد الصورة في جسم العضو الحاس، ومنه إدراك تلك الصورة، الذي هو سمت خطوط الشعاع الممتدة بين البصر وبين ذلك المبصر. وإذا أدرك البصر موضع الصورة من البصر وأدرك السمت الذي فيه امتدت الصورة، أدركت القوة المميزة الجهة التي فيها يمتد ذلك السمت. والجهة التي فيها يمتد ذلك السمت هي الجهة التي فيها المبصر. فمن إدراك الحاس للجزء من البصر الذي حصل فيه صورة المبصر، ومن إدراكه للسمت الذي فيه تمتد الصورة ومنه ينفعل البصر بالصورة، قد أدركت |القوة المميزة السمت الذي فيه امتدت صورة المبصر على التحرير. وعلى هذه الصفة تتميز المبصرات بجهاتها، لأن المبصرات المتفرقة إنما تتميز للبصر من تمييزه للمواضع المتفرقة من سطح العضو الحاس الذي تحصل فيه صور المبصرات المتفرقة.
Bogga 255