[78] فأما المبصرات التي أبعادها خارجة عن الاعتدال، وأبعادها تسامت أجساما مرتبة متصلة، والبصر مع ذلك يدرك تلك الأجسام، فإن إدراك البصر لمقادير أبعادها ليس هو إدراكا صحيحا متيقنا. وذلك أن المبصرات التي أبعادها خارجة عن الاعتدال ليس يدركها البصر إدراكا محققا. فإذا كان بين البصر وبين هذه المبصرات أجسام مرتبة متصلة فليس يدرك البصر جميع هذه الأجسام إدراكا محققا، فليس يدرك المسافات التي بين أطرافها إدراكا محققا، فليس يدرك الأبعاد التي بينه وبين المبصرات التي عند أطراف هذه الأجسام إدراكا محققا. فالمبصرات التي أبعادها خارجة عن الاعتدال، وبينها وبين البصر أجسام مرتبة متصلة، فليس يدرك البصر كميات أبعادها إدراكا محققا.
[79] فأما المبصرات التي ليس تسامت أبعادها أجساما مرتبة متصلة فليس يدرك البصر كمية أبعادها. ولذلك إذا أدرك البصر السحاب في السهول وفي المواضع التي لا جبال فيها ظن أنه متفاوت البعد قياسا على الأجرام السماوية. وإذا كان السحاب فيما بين الجبال وكان متصلا فإنه ربما استترت رؤوس الجبال بالسحاب. وإذا كان السحاب منقطعا ربما ظهرت رؤوس الجبال من فوق السحاب، وربما أدرك البصر القطع من السحاب ملتصقة ببطن الجبل، وربما كان ذلك في الجبال التي ليست بالشاهقة. فيظهر من هذا الاعتبار أن أبعاد السحاب ليست بالمتفاوتة وأن كثيرا منها أقرب إلى الأرض من رؤوس الجبال وأن ما يظن من تفاوت بعدها غلط لا حقيقة له. ويتبين من ذلك أن البصر ليس يدرك مقدار بعد السحاب إذا أدركه في السهول وأن مقدار بعد السحاب يدركه البصر إذا كان فيما بين الجبال وظهرت رؤوس الجبال في أعلاه وأدركت المواضع من الجبال التي يماسها السحاب.
Bogga 248