[60] وأيضا فإنا نقول إن اللون ما هو لون والضوء بما هو ضوء ليس يدركه البصر إلا في زمان، أعني أن الآن الذي عنده يقع إدراك اللون بما هو لون أو إدراك الضوء بما هو ضوء هو غير الآن الذي هو أول آن ماس فيه سطح البصر الهواء الحامل للصورة. وذلك أن اللون ما هو لون والضوء بما هو ضوء ليس يدركهما الحاس إلا بعد حصول الصورة في الجسم الحاس، وليس يدركهما الحاس الأخير لا بعد وصول الصورة إلى تجويف العصبة المشتركة. ووصول الصورة إلى العصبة المشتركة إنما هو كوصول الضوء من المنافذ والثقوب التي يدخل منها الضوء إلى الأجسام المقابلة لتلك المنافذ وتلك الثقوب إذا كان الثقب مستترا ثم رفع الساتر. ووصول الضوء من الثقب إلى الجسم المقابل للثقب ليس يكون إلا في زمان وإن كان خفيا عن الحس. لأن وصول الضوء من الثقب إلى الجسم المقابل للثقب ليس يخلوا من أحد أمرين: إما أن يكون الضوء يحصل في الجزء من الهواء الذي يلي الثقب قبل أن يحصل في الجزء الذي يليه ثم في الجزء الذي يليه ثم في الجزء الذي يلي ذلك الجزء من الهواء إلى أن يصل إلى الجسم المقابل للثقب، وإما أن يكون الضوء يحصل في جميع الهواء المتوسط بين الثقب وبين الجسم المقابل للثقب وعلى الجسم نفسه المقابل للثقب دفعة واحدة، ويكون جميع الهواء يقبل الضوء دفعة لا جزءا منه بعد جزء. فإن كان الهواء يقبل الضوء جزءا بعد جزء فالضوء إنما يصل إلى الجسم المقابل للثقب بحركة، والحركة ليس تكون إلا في زمان. وإن كان الهواء يقبل الضوء دفعة واحدة، فإن حصول الضوء في الهواء بعد أن لم يكن فيه ضوء ليس يكون أيضا إلا في زمان وإن خفي عن الحس. وذلك أن الثقب الذي يدخل منه الضوء إذا كان مستترا، ثم رفع الساتر الذي في وجهه، فإن الآن الذي يزول فيه الساتر عن أول جزء من الثقب ويصير فيه الهواء الذي في الثقب منكشفا لجزء من الضوء هو غير الآن الذي يحصل عنده الضوء في الهواء المماس لذلك الجزء من داخل الثقب وفي الهواء المتصل بذلك الهواء من داخل الثقب على تصاريف الأحوال. لأنه ليس يحصل الضوء في شي ء من الهواء الذي في داخل الثقب المستتر عن الضوء إلا بعد أن ينكشف شي ء من الثقب للضوء، وليس ينكشف شي ء من الثقب في أقل من آن واحد، والآن ليس ينقسم، فليس يحصل شي ء من الضوء في داخل الثقب في الآن الذي انكشف فيه ما انكشف من الثقب، لأن الذي ينكشف من الثقب في الآن الواحد ليس ينكشف جزءا بعد جزء، وليس يكون الذي ينكشف من الثقب في الآن الواحد جزءا له قدر، وإنما ينكشف منه في الآن الواحد نقطة لا مساحة ها أو خط لا عرض له، لأن ما له عرض وطول ليس ينكشف عنه الساتر إلا جزءا بعد جزء. وليس يكون انكشاف ما له عرض من الثقب إلا بحركة، والحركة ليس تكون إلا في زمان، فالذي ينكشف من الثقب في الآن الواحد الذي لا ينقسم هو شيء لا عرض له، فليس ينكشف ذلك الشيء جزءا بعد جزء.
[61] وإذا كان ذلك كذلك فإن الذي ينكشف من الثقب في الآن الذي لا ينقسم هو نقطة لا مساحة لها. والخط الذي لا عرض له ليس هو جزءا من الهواء، لأن أصغر الصغير من أجزاء الهواء ليس يكون إلا جسما. فالنقطة التي لا مساحة لها أو الخط الذي لا عرض له الذي هو أول شيء ينكشف من الثقب الذي ينكشف في الآن الذي لا ينقسم إنما هو نهاية جزء من أجزاء الهواء الذي في داخل الثقب لا جزء من الهواء. والنقطة التي لا مساحة لها لا تقبل الضوء، وكذلك الخط الذي لا عرض له، وليس يقبل الضوء إلا الأجسام. فإذا كانت النقطة التي لا مساحة لها والخط الذي لا عرض له لا يقبلان الضوء، فليس يحصل شيء من الضوء في الهواء الذي في داخل الثقب في الآن الذي ينكشف فيه أول شيء ينكشف من الثقب. فالآن إذن الذي هو أول آن تحصل عنده الصورة في الهواء الذي في داخل الثقب أو في جزء منه غير الآن الذي انكشف فيه أول شيء انكشف من الثقب. وكل آنين فبينهما زمان، فليس يصير الضوء من الهواء الذي في خارج الثقب إلى الهواء الذي في داخل الثقب إلا في زمان، إلا أن هذا الزمان خفي عن الحس جدا لسرعة قبول الهواء لصور الأضواء.
[62] وكذلك إذا قابل البصر المبصر بعد أن لم يكن مقابلا له، وماس الهواء الحامل لصورة المبصر سطح البصر بعد أن لم يكن شيء من ذلك الهواء مماسا له، فإن الصورة ليس تصير من الهواء الحامل للصورة إلى داخل تجويف العصبة المشتركة إلا في زمان، إلا أن هذا الزمان ليس للحس طريق إلى إدراكه ولا اعتبار لصغره وغلظ الحس وقصور قوته عن إدراك ما هو في غاية الصغر. فهذا الزمان بالقياس إلى الحس بمنزلة الآن بالقياس إلى التمييز.
Bogga 241