[111] وقد تخفي الأضواء الضعيفة وصور المبصرات الضعيفة الضوء إذا حصل في البصر ضوء قوي وإن لم يكن ورود الصورتين إلى البصر من سمت واحد، وذلك إذا كان ورود الصورتين من سمتين متجاورين وحصلا في البصرين في جزءين متجاورين. وهذا المعنى يظهر في الليل وفي ضوء النار. وذلك أن البصر إذا أدرك ضوء النار، وكانت النار قريبة من البصر وكان ضوؤها ضوءا قويا، وكان مقابلا للبصر في تلك الحال مبصرات فيها أضواء ضعيفة عرضية، وكانت تلك المبصرات أبعد عن البصر من النار، وكانت على سموت مجاورة لسمت النار وقريبة من سمت النار، فإن البصر لا يدرك تلك المبصرات إدراكا صحيحا، وإن كان فيها معان لطيفة أو أجزاء لطيفة لم يدركها البصر في تلك الحال. فإن ستر الناظر النار عن بصره أو تباعد عن سمت النار حتى يصير السمت الذي يدرك منه تلك المبصرات بعيدا عن السمت الذي يدرك منه النار فإنه حينئذ يدرك تلك المبصرات إدراكا أبين مما كان يدركها في الحالة الأولى.
[112] والعلة في ذلك أن المبصرات التي فيها أضواء ضعيفة عرضية تكون صورها مظلمة، فإذا أدركها البصر ولم يدرك معها في الحال ضوءا قويا أحس بالضوء الضعيف الذي فيها لظلمة داخل البصر أو عدم الضوء القوي من الجزء منه الذى تحصل فيه صورة الضوء الضعيف ومما يحيط به من أجزاء البصر وللتباين الذي بين الظلمة والضوء المقترنين. وإذا أحس البصر بالضوء الذي في الصورة تميزت له تلك الصورة وأدروكها إدراكا ما بحسب الضوء الذي فيها. وإذا أدرك البصر الصورة المظلمة وأدرك معها في الحال ضوءا قويا، وأدرك ذلك الضوء القوي في الجزء من المبصر الماس للجزء الذي أدرك فيه الصورة المظلمة، لم يدرك البصر الضوء الضعيف الذي في الصورة المظلمة لحالتين: إحديهما أن الضوء القوي إذا حصل في البصر أضاء جميع داخل البصر، وإذا كان داخل البصر مضيئا لم يظهر فيه الضوء الضعيف الذي يدركه البصر مع ضعفه من أجل ظلمة البصر وتباين الظلمة والضوء، وخاصة إذا كان الضوء الضعيف ضعيف النسبة جدا إلى الضوء القوي الذي حصل في البصر. والحالة الثانية هي اقتران الضوء الضعيف بالضوء القوي ق جزءين متجاورين من البصر. والضوء الضعيف بالقياس إلى الضوء القوي هو ظلمة ما، فإذا تجاور الصورة المظلمة الضعيفة الضوء وصورة الضوء القوي في البصر فليس يدرك البصر الضوء الذي في الصورة المظلمة للحالتين اللتين ذكرناهما. وإذا لم يدرك البصر الضوء الذي في الصورة المظلمة فلم يدرك من الصورة المظلمة إلا ظلمة فقط، وإذا لم يدرك البصر الضوء الذي في الصورة، ولم يدرك منها إلا ظلمة فقط، لم تتميز له الصورة ولم يدرك الصورة إدراكا صحيحا.
Bogga 182