بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن الفقه في الدين من أجل ما يتقرب به المسلم إلى ربه ﵎، وهو الوسيلة العظمى لتحقيق عبودية الرب جل وعلا، لا سيما ما يتعلق بالأركان الخمسة للإسلام، ودعائمه العظام.
ولما كانت أحكام الحج والعمرة من أدق الأحكام، كما قال شيخ الإسلام ﵀: (وعلم المناسك أدق ما في العبادات) (١)، أفرد لها أهل العلم التصانيف في بيان مسائلها وفروعها، وبيان أحكامها ودلائلها، فتنوعت التصانيف فيه ما بين مختصر ومطول، فلم يخلُ مذهب من المذاهب الأربعة إلا ونُظمت فيه أحكام المناسك في مؤلف مستقل.
_________
(١) منهاج السنة ٥/ ٤٩٧.
1 / 5
وممن كتب فيه وأفاد، وهو أهل لهذه المسالك والجواد، فارس المنقول والمعقول، الإمام القدوة العلامة شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية الحراني رحمه الله تعالى (ت ٧٢٨ هـ)، فكتب منسكًا في أوائل عمره، وقلد فيه في الأحكام من كان قبله، قال ﵀ في اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٣٣٩): (وقد ذكر طائفة من المصنفين في المناسك استحباب زيارة مساجد مكة وما حولها، وكنت قد كتبتها في منسك كتبته قبل أن أحج في أول عمري، لبعض الشيوخ، جمعته من كلام العلماء، ثم تبين لنا أن هذا كله من البدع المحدثة التي لا أصل لها في الشريعة) (١).
ثم كتب منسكًا آخر في أواخر عمره (٢) -وهو الذي بين أيدينا-، بعد أن اكتملت فيه آلة الاجتهاد، وبلغ من العلم مبلغًا كبيرًا، فكتب فيه ما تبين له من سنة رسول الله ﷺ، مختصرًا مبينًا، ولم يلتزم فيه بمذهبٍ معين، بل ذكر فيه ما ترجح عنده من المسائل، وربما ذكر الخلاف في بعضها وأطلق، حتى تم هذا المنسك بأجمل حلة، وأبهى صورة.
وقد طُبع الكتاب قديمًا بالمطبعة العامرة بمصر عام ١٣٢٣ هـ،
_________
(١) وقد نقل ابن عبدالهادي في الصارم المنكي من منسك شيخ الإسلام القديم كما في ص (١٧)، ونقل أيضًا من المنسك الجديد كما في ص (٤٥).
(٢) ذكر ذلك ابن عبدالهادي في الصارم المنكي ص (٤٥).
1 / 6
ويسر لي المولى جل وعلا الوقوف على أربع نسخٍ خطية، فاستعنت بالله تعالى بمقابلتها وتحقيقها، وإخراجها بهذه الصورة.
توثيق اسم الكتاب:
يظهر والله أعلم أن شيخ الإسلام ﵀ لم يسم هذا المنسك، وإنما قال في مقدمته: (فقد تكرر السؤال من كثير من المسلمين أن أكتب في بيان مناسك الحج)، ولكن ذكرت تسميته في نسختين من النسخ الخطية -وهي (أ) و(د) - بـ (مناسك الحج).
منهج التحقيق:
١ - اعتمدت في تحقيق الكتاب على أربع نسخة خطية يأتي وصفها.
٢ - لم أعتمد نسخة من النسخ على أنها هي الأصل؛ إذ إنها جميعًا متأخرة عن زمن المؤلف، وإنما قمت بالتلفيق بينها، فما كان أقرب للصواب أثبته.
٣ - أثبت جميع الفروق بين النسخ المعتمدة، عدا ما يتعلق بصيغ الترضي والترحم والصلاة والسلام، وكذلك ما يتعلق بالآيات، فتارة تذكر الآية كاملة أو يذكر جزء منها، فلم أشر إلى ذلك.
٤ - قمت بتوثيق الآيات القرآنية، وتخريج الأحاديث والآثار
1 / 7
تخريجًا مختصرًا يتناسب مع المختصر.
٥ - متى أطلق المصنف الخلاف، فقال: (فيه نزاع)، أو (على أصح القولين) ونحو ذلك، بينت الأقوال في الحاشية باختصار، مع العزو للمصادر.
٦ - أشرت إلى المسائل التي خالف فيها المصنف المشهور من مذهب الحنابلة المتأخرين.
٧ - شرحت الكلمات التي تحتاج إلى شرح من مصادرها المعتمدة.
وصف النسخ المعتمدة
اعتمدت في تحقيق الكتاب على أربع نسخ خطية:
النسخة الأولى: نسخة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبا بطين
عدد أوراقها (١٠) ورقات، عدد أسطرها (٢٨)، من محفوظات دارة الملك عبدالعزيز برقم (آل عبداللطيف/١٥)، مصححة، وناسخها هو الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبا بطين ﵀، وتاريخ نسخها ١٢١٤ هـ.
ورمزت لها بـ (أ).
1 / 8
النسخة الثانية: إدارة المخطوطات في وزارة الأوقاف الكويتية
عدد أوراقها (٢٤) ورقة، وعدد أسطرها (٢٠)، مصححة ومقابلة، ورقم حفظها (٧/ ٣٣٤)، وعليها بعض الحواشي، فيها سقط يسير من أولها، وعليها قيد تملك لإبراهيم بن صالح بن إبراهيم بن عيسى وغيره، نسخت عام ١٢٧٥ هـ.
ورمزت لها بـ (ب).
النسخة الثالثة: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عدد أوراقها (٤٥) ورقة، وعدد أسطرها (١٥)، مصورة من دشت روضة خيري بمصر، وناسخها محمد المكي بن عزوز، وتاريخ النسخ عام ١٣٢٧ هـ. رقم حفظها (١٦٧٩).
ورمزت لها بـ (ج).
النسخة الرابعة: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عدد أوراقها (٣٨) ورقة، وعدد أسطرها (١٧)، رقم حفظها (٤/ ٨٧٨٢)، وناسخها عبدالله بن محمد دليقان، وتاريخ النسخ عام ١٣٢٢ هـ. وعليها تملك لمحمد السعيد ابن عبدان سنة ١٣٣٥ هـ.
1 / 9
ورمزت لها بـ (د).
والله المسؤول أَن يجعل هذا العمل لوجهه خالصًا، وأن ينفع به مؤلفه ومحققه والناظر فيه، في الدنيا والآخرة، إنه سميع الدعاء، وأَهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والحمد لله رب العالمين.
وكتبه أنس بن عادل اليتامى
غفر الله لوالديه ولمشايخه وللمسلمين
1 / 10
ونماذج النسخ الخطية
النسخة (أ)
النسخة (ب)
1 / 11
النسخة (ج)
النسخة (د)
1 / 12
مناسك الحج
لشيخ الإسلام
أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية الحراني ﵀
(ت ٧٢٨ هـ)
قوبل على أربع نسخ خطية
ومعه ملحق باختيارات شيخ الإسلام في المناسك مما لم ترد في المنسك
تحقيق:
د. أنس بن عادل اليتامى
1 / 13
بسم الله الرحمن الرحيم (١)
[وبه نستعين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين، قال شيخ الإسلام] (٢):
الحمدُ للهِ، نحمدُه، ونستعينُه، ونستهديه (٣)، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسِنا، ومِنْ سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلَا مُضِلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلَا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللَّهُ عليهِ، وعلَى آلِه وصحبِه (٤)، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ:
فقدْ تكرَّرَ السؤالُ مِنْ كثيرٍ منَ المسلمينَ أنْ أَكْتُبَ في بيانِ
_________
(١) زيد في (د): قال الشيخ العالم العلامة ناصر السنة وماحي البدعة، تقي الدين أبو العباس ابن الإمام شهاب الدين عبد الحليم بن الإمام مجدد الدين عبد السلام بن عبد الله بن تيمية رحمه الله تعالى.
(٢) ما بين معقوفين سقط من (ج) و(د).
(٣) قوله: (نحمده ونستعينه ونستهديه) هو في (أ): نستعينه.
(٤) قوله: (وصحبه) سقطت من (أ).
1 / 15
مناسكِ الحجِّ ما يحتاجُ إليهُ غالِبُ الْحُجَّاجِ في غالِبِ الأوقاتِ على سبيل الاختصار (١)؛ فإنِّي كنتُ (٢) كتبتُ مَنْسَكًا في أوائلِ عُمُرِي، وذكرتُ (٣) فيه أدعيةً كثيرةً، وقلَّدتُ في الأحكامِ مَنِ اتَّبَعْتُهُ قبلي مِنَ العلماءِ، وكتبتُ في هذا ما تبيَّنَ لي مِنْ سُنَّةِ رسولِ اللهِ ﷺ مختصَرًا مبيَّنًا، ولَا حولَ ولَا قوَّةَ إلَّا باللهِ. (٤)
_________
(١) قوله: (على سبيل الاختصار) سقط من (ج) و(د).
(٢) زيد في (ج) و(د): قد.
(٣) في (ج) و(د): فذكرت.
(٤) زيد في (د): العلي العظيم.
1 / 16
فصلٌ
أولُ (١) ما يفعلُه قاصِدُ الحجِّ أو العمرةِ (٢) إذَا أرادَ الدخولَ فيهما: [أنْ يُحْرِمَ بذلكَ، وقبلَ ذلكَ فهو قاصِدٌ الحجَّ أوِ العمرةَ ولم يدخلْ فيهما] (٣)، بمنزلةِ الذي يخرجُ إلى صلاةِ الجمعةِ؛ فله أجرُ السَّعْيِ، ولا يدخلُ في الصلاةِ حتى يُحْرِمَ بها، وعليه إذا وصلَ إلى (٤) الميقاتِ أنْ يُحْرِمَ.
والمواقيتُ خمسةٌ (٥): ذُو الْحُلَيْفَةِ (٦)،
_________
(١) من هنا تبدأ النسخة (ب).
(٢) في (ج) و(د): والعمرة.
(٣) ما بين معقوفين سقط من (أ).
(٤) قوله: (إلى) سقط من (د).
(٥) قال شيخ الإسلام في شرح العمدة ٥/ ١٧٨: (هذه المواقيت الخمسة منصوصة عن النبي ﷺ عند جمهور أصحابنا، وهو المنصوص عن أبي عبد الله، ... وذهب أبو الفرج بن الجوزي وغيره من أصحابنا: إلى أن ذات عرق إنما ثبتت بتوقيت عمر ﵁ اجتهادًا، ثم انعقد الإجماع على ذلك ....، والأول هو الصواب لما ذكرناه من الأحاديث المرفوعة الجياد الحسان التي يجب العمل بمثلها مع تعددها، ومجيئها مسندة، ومرسلة من وجوه شتى).
(٦) قال في المطلع (ص ٢٠٠): (ذو الحُليفة: بضم الحاء وفتح اللام، موضع معروف مشهور، بينه وبين المدينة ستة أميال، وقيل سبعة، قاله عياض وغيره).
قال في تيسير العلام (١/ ٣٥٩): (وتسمى الآن آبار علي، ويكاد عمران =
1 / 17
والْجُحْفَةُ (١)، وقَرْنُ المنازلِ (٢)، ويَلَمْلَمُ (٣)،
_________
= المدينة المنورة الآن يصل إليها، وتبلغ المسافة من ضفة وادي الحليفة إلى المسجد النبوي: ثلاثة عشر كيلًا، ومن تلك الضفة إلى مكة المكرمة عن طريق وادي الجموم: أربعمائة وثمانية وعشرين كيلًا).
(١) قال في المطلع (ص ٢٠١): (الجُحْفَةُ - بجيم مضمومة ثم حاء مهملةٍ ساكِنَةٍ-: قال صاحب المطالع: هي قرية جامعةٌ بمنبَرٍ على طريق المدينة من مكة، وهي مَهْيَعةُ، وسميت الجُحْفَة؛ لأن السيل اجتحفها وحمل أهلها، وهي على ستة أميالٍ من البحر، وثماني مراحل من المدينة، وقيل: نحو سبع مراحل من المدينة، وثلاث من مكة).
قال في توضيح الأحكام (٤/ ٤٣): (كانت قرية عامرة محطة من محطات الحاج بين الحرمين، ثم جحفتها السيول، فصار الإحرام من قرية رابغ، الواقعة عنها غربًا ببعد (٢٢) ميلًا، ويحاذي الجحفة من خط الهجرة: الخط السريع من المدينة باتجاه مكة، وتبعد عن مكة (٢٠٨) كيلو).
(٢) قال في المطلع (ص ٢٠٢): (قَرْنٌ: بسكون الراء بلا خلاف، قال صاحب المطالع: وهو ميقاتُ نجدٍ، على يوم وليلة من مكة، ويقال له: قرنُ المنازل وقرنُ الثعالب، ورواه بعضهم بفتح الراء، وهو غلط، إنما قَرَن -بفتح الراء- قبيلة من اليمن).
قال في تيسير العلام (١/ ٣٦٠): (وهذا الميقات اشتهر اسمه الآن: بالسيل الكبير، ومسافته من بطن الوادي إلى مكة المكرمة: (٧٨) كيلًا).
(٣) قال في المطلع (ص ٢٠٢): (يلملم: قال صاحب المطالع: أَلَمْلَم، ويقال: يلملم، وهو جبل من جبال تهامة، على ليلتين من مكة، والياء فيه بدلٌ من الهمزة، وليست بمزيدة، وحكى اللغتين فيه الجوهري وغيره).
قال في توضيح الأحكام (٤/ ٤٤): (يلملم وادٍ عظيم، ينحدر من جبال السراة إلى تهامة، ثم يصب في البحر الأحمر عند ساحل يمسى "المجيرمة"، والاسم لهذا الوادي من فروعه حتى مصبه، ومكان الإحرام منه الذي يمر =
1 / 18
وذاتُ عِرْقٍ (١)، ولَمَّا وَقَّتَ النبيُّ ﷺ المواقيتَ قالَ: «هُنَّ لِأَهْلِهِنَّ (٢)، وَلِمَنْ مَرَّ عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ (٣) يُرِيدُ الْحَجَّ أو الْعُمْرَةَ (٤)، وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْ مَكَّةَ» (٥).
فذُو الحُلَيْفَةِ: هي أبعدُ المواقيتِ، بينها وبين مكةَ عَشْرُ (٦) مراحِلَ (٧)، أو أقلُّ، أو أكثرُ، بحسبِ اختلافِ الطُّرُقِ؛ فإنَّ منها إلى مكةَ عدةَ طُرُقٍ، وتسمَّى (٨) وادِيَ العَقِيقِ، ومسجدُها يسمَّى مسجدَ الشجرةِ.
_________
= طريق تهامة المملكة العربية السعودية، وتهامة من ضفته الجنوبية تبعد عن مكة مسافة (١٢٠) كيلو متر).
(١) قال في توضيح الأحكام (٤/ ٤٧): (ويسمى الضريبة - بفتح الضاد بعدها راء مكسورة ثم ياء ساكنة-، واحدة الضراب، وهي الجبال الصغار، ويقع عن مكة شرقًا بمسافة قدرها (١٠٠) كيلو متر، والآن مهجور لعدم وجود الطرق عليه).
(٢) في (ب): (لهن).
(٣) في (ج) و(د): (لمن).
(٤) في (ج) و(د): (والعمرة).
(٥) رواه البخاري (١٥٢٦)، ومسلم (١١٨١) من حديث ابن عباس ﵄.
(٦) في (أ) و(ب): عشرة.
(٧) المراحل: جمع المرحلة، وهي المسافة التي يقطعها السائر في نحو يوم، أو ما بين المنزلين، والمرحلة الواحدة تساوي (٣٨.٤) كيلو متر تقريبًا. ينظر: لسان العرب ١١/ ٢٨٠، الدلائل والإشارات شرح أخصر المختصرات ٢/ ٣٩.
(٨) في (ب): (ويسمى).
1 / 19
وفيها بئرٌ تسمِّيها جُهَّالُ (١) العامةِ: «بئرَ عَلِيٍّ»؛ لظنِّهم أنَّ عَلِيًّا قاتَلَ الجنَّ بها، وهو كَذِبٌ؛ فإنَّ الجنَّ لم يقاتِلْهم أحدٌ مِنَ الصحابةِ، وعَلِيٌّ أرفعُ قَدْرًا مِنْ (٢) أنْ يَثْبُتَ الجنُّ لقتالِه.
ولا فضيلةَ لهذا البئرِ ولا مَذَمَّةَ، ولَا يُسْتَحَبُّ أنْ يَرْمِيَ بها حجرًا ولا غيرَهُ.
وأمَّا الْجُحْفَةُ: فبَيْنَها وبين مكةَ نحوُ ثلاثِ مراحلَ، وهي قريةٌ كانتْ قديمةً معمورةً، وكانتْ تسمَّى: مَهْيَعَةَ، وهِيَ اليومَ خرابٌ، ولهذا صارَ (٣) الناسُ يُحْرِمُونَ قَبْلَها؛ مِنَ المكانِ الذي يسمَّى: رَابِغًا.
وهذا ميقاتٌ لِمَنْ حجَّ مِنْ ناحيةِ الْمَغْرِبِ؛ كأهلِ الشامِ، ومصرَ، وسائرِ المغربِ.
لكنْ أهلُ الشامِ (٤) إذا اجتازُوا بالمدينةِ النبويةِ - كما يفعلونَهُ في هذه الأوقاتِ - أَحْرَمُوا مِنْ ميقاتِ أهلِ (٥) المدينةِ؛ فإنَّ هذا هو المستحبُّ لهم بالاتفاقِ، فإنْ أَخَّرُوا (٦) الإحرامَ إلى الْجُحْفَةِ؛
_________
(١) قوله: (تسميها جهال) هو في (د): (تسميه).
(٢) قوله: (من) سقط من (د).
(٣) في (ب): (كان).
(٤) قوله: (لكن أهل الشام) سقط من (ج) و(د).
(٥) قوله: (أهل) سقط من (أ).
(٦) في (د): (أخر).
1 / 20
ففيهِ نِزَاعٌ (١).
وأمَّا المواقيتُ الثلاثةُ (٢): فبَيْنَ كلِّ واحدٍ منها وبينَ مكةَ نحوٌ (٣) من (٤) مرحلتَيْنِ.
وليسَ لأحدٍ أنْ يُجَاوِزَ الميقاتَ إذا أرادَ الحجَّ أوِ العمرةَ إلَّا بإحرامٍ (٥).
وإنْ قصدَ مكةَ لتجارةٍ أوِ لزيارةٍ (٦)؛ فينبغي له أنْ يُحْرِمَ، وفي الوجوبِ نزاعٌ (٧).
_________
(١) ذهب الحنابلة، والشافعية: أنه يلزمهم الإحرام من ذي الحليفة.
وذهب الحنفية، والمالكية، واختاره شيخ الإسلام: أن لهم مجاوزة ذي الحليفة، والإحرام من الجحفة.
قال شيخ الإسلام في الاختيارات (ص ١٧٤): (ومن ميقاته الجحفة؛ كأهل مصر والشام، إذا مروا على المدينة؛ فلهم تأخير الإحرام إلى الجحفة، ولا يجب عليهم الإحرام من ذي الحليفة، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك). ينظر: بدائع الصنائع ٢/ ١٦٤، مواهب الجليل ٣/ ٥٣، المجموع ٧/ ٢٠٦، الإنصاف ٣/ ٤٢٥.
(٢) أي: قرن المنازل، ويلملم، وذات عرق.
(٣) قوله: (نحو) سقط من (ب).
(٤) قوله: (من) زيادة من (أ).
(٥) في (أ) و(ب): (بالإحرام).
(٦) في (ب): (زيارة).
(٧) ذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة: إلى وجوب الإحرام. =
1 / 21
ومَنْ وَافَى الميقاتَ في أَشْهُرِ الحجِّ فهو مُخَيَّرٌ بينَ ثلاثةِ أنواعٍ، وهي التي يقالُ لها: التمتُّعُ، والإفرادُ، والقِرَانُ:
- إنْ شاءَ أَحرم (١) بعمرةٍ، فإذا حَلَّ (٢) منها أَهَلَّ بالحجِّ، وهذا الذي يَختَصُّ (٣) باسمِ التمتُّعِ.
- وإنْ شاءَ أَحْرَمَ بهما جميعًا، أو أَحْرَمَ بالعمرةِ ثم أَدْخَلَ عليها الحجَّ قبلَ الطوافِ؛ وهو القِرَانُ، وهو داخِلٌ في اسمِ (٤) التمتُّعِ في الكتابِ، والسُّنَّةِ، وكلامِ الصحابةِ ﵃.
- وإنْ شاءَ أَحْرَمَ بالحجِّ مُفْرِدًا، وهو الإفرادُ.
_________
= واستثنى المالكية والحنابلة ثلاث مسائل لا يجب فيها الإحرام: إذا كان دخول مكة لقتال مباح، أو كان لخوف، أو كان لحاجة متكررة.
وذهب الشافعية، وأحمد في رواية، واختاره ابن القيم: إلى عدم وجوب الإحرام. ينظر: مجمع الأنهر ١/ ٢٦٦، ومواهب الجليل ٣/ ٤٣، والمجموع ٧/ ١٠، الإنصاف ٣/ ٤٢٧، زاد المعاد ٣/ ٣٣٧.
(١) في (ج) و(د): (أهلَّ).
(٢) في (أ) و(ب): (أحلَّ).
(٣) قوله: (وهذا الذي يختص) هو في (ب) و(ج) و(د): (وهو يخص).
(٤) في (ب): (باسم).
1 / 22
فصل في (١) الأفضلِ منْ ذلكَ
فالتحقيقُ في ذلك: أنَّهُ يتنوَّعُ باختلافِ حالِ الحاجِّ (٢).
- فإنْ كانَ يسافِرُ سَفْرَةً للعمرةِ (٣) وسَفْرَةً أخرى للحَجِّ (٤) (٥)، أو
_________
(١) قوله: (فصل في) هو في (أ): (وأمَّا).
(٢) والمذهب: أفضلها التمتع ثم الإفراد. ينظر: مجموع الفتاوى ٢٧/ ٧٩ - ٨٥، الفروع ٥/ ٣٣٤، اختيارات البعلي ص ١٧٣، الإنصاف ٣/ ٤٣٤.
(٣) في (ب): (إلى العمرة).
(٤) في (ج): (وللحج سفرة أخرى).
(٥) أي: كون العمرة في سفرة والحج في سفرة أفضل من جمعهما بالتمتع في سفرة واحدة فقط، لا أن ذلك أفضل من التمتع مطلقًا، ولذا قال في مجموع الفتاوى (٢٦/ ٢٧٦): (لو أفرد الحج بسفرة والعمرة بسفرة فهو أفضل من المتعة المجردة).
ويدل لذلك ما نقله ابن القيم في زاد المعاد (٢/ ١٩٤) عن شيخ الإسلام أنه قال: (إن عمر ﵁ لم ينه عن المتعة البتة، وإنما قال: " إنه أتم لحجكم وعمرتكم أن تفصلوا بينهما "، فاختار عمر لهم أفضل الأمور، وهو إفراد كل واحد منهما بسفر ينشئه له من بلده، وهذا أفضل من القران والتمتع الخاص بدون سفرة أخرى)، ثم قال ابن القيم: (فهذا الذي اختاره عمر للناس، فظن من غلط منهم أنه نهى عن المتعة).
وأما لو اعتمر قبل ذلك ثم أراد الحج في سفرة أخرى؛ فالتمتع أفضل من الإفراد، قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (٢٦/ ٨٨): (من سافر سفرة واحدة واعتمر فيها، ثم أراد أن يسافر أخرى للحج، فتمتعه أيضًا أفضل له من =
1 / 23
يسافِرُ إلى مكةَ قبلَ أَشْهُرِ الحجِّ ويعتمرُ ويُقِيمُ بها حتى يَحُجَّ، فهذا الإفرادُ له أفضلُ باتفاقِ الأئمةِ الأربعةِ (١).
والإحرامُ بالحجِّ قبلَ أَشْهُرِهِ (٢) ليس بمَسْنُونٍ (٣)، بل مكروهٌ، وإذا فعلَهُ فهلْ يصيرُ مُحْرِمًا بعمرةٍ أو بحَجٍّ؟ فيهِ نزاعٌ (٤).
- وأمَّا إذا فَعَلَ ما يفعلُه غالبُ الناسِ؛ وهو أنْ يَجْمَعَ بينَ العمرةِ والحجِّ في سَفْرَةٍ واحدةٍ، ويَقْدَمَ مكةَ في أَشْهُرِ الحجِّ
_________
= الحج، فإن كثيرًا من الصحابة الذين حجوا مع النبي ﷺ كانوا قد اعتمروا قبل ذلك، ومع هذا فأمرهم بالتمتع، لم يأمرهم بالإفراد، ولأن هذا يجمع بين عمرتين وحجة وهدي، وهذا أفضل من عمرة وحجة).
(١) قال في مجموع الفتاوى (٢٦/ ٨٥): (إذا أفرد الحج بسفرة والعمرة بسفرة فهو أفضل من القران والتمتع الخاص بسفرة واحدة، وقد نص على ذلك أحمد وأبو حنيفة مع مالك والشافعي وغيرهم).
وفي مختصر الفتاوى المصرية ١/ ٤٨٤: (فأما من أفردهما في سفرتين، أو اعتمر قبل أشهر الحج وأقام إلى الحج؛ فهذا أفضل من التمتع، وهو قول الخلفاء الراشدين ﵃، وقول أحمد وغيره، وبعض أصحاب مالك والشافعي وغيرهم).
(٢) في (أ): (أشهر الحج).
(٣) في (ج) و(د): (مسنونًا).
(٤) ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة: أن الإحرام بالحج قبل أشهره ينعقد حجًا مع الكراهة.
وذهب الشافعية: أنه ينعقد عمرة مجزئة عن عمرة الإسلام. ينظر: المبسوط ٤/ ٦١، مواهب الجليل ٣/ ١٨، الحاوي ٤/ ٢٨، شرح المنتهى ١/ ٥٢٧.
1 / 24
- وهنَّ: شوالٌ، وذُو القَعْدَةِ، وعَشْرٌ من ذِي الْحِجَّةِ-: فهذا إنْ ساقَ الهَدْيَ فالقِرَانُ أفضلُ له (١)، وإنْ لم يَسُقِ الهَدْيَ؛ فالتحلُّلُ مِنْ إحرامِه بعمرةٍ أفضلُ (٢).
فإنَّهُ قد ثبتَ [بالنقولِ الْمُسْتَفِيضَةِ التي لم يختلفْ في صِحَّتِهَا أهلُ العلمِ] (٣) بالحديثِ أنَّ النبيَّ ﷺ لَمَّا حجَّ حَجَّةَ الوداعِ هو وأصحابُه أَمَرَهُمْ جميعَهم أنْ يَحِلُّوا مِن إحرامِهم، ويجعلُوها عُمْرَةً، إلَّا مَنْ ساقَ الهَدْيَ فإنَّه أَمَرَهُ أنْ يَبْقَى على إحرامِه حتى يبلُغَ مَحِلَّهُ يومَ النَّحْرِ (٤)، وكانَ النبيُّ ﷺ قدْ ساقَ الهَدْيَ هو وطائفةٌ من أصحابِه، وقَرَنَ هو بين العمرةِ والحجِّ، فقالَ: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» (٥).
ولم يعتمِرْ بعدَ الحجِّ أحدٌ ممنْ كانَ معَ النبيِّ ﷺ إلَّا عائشةَ
_________
(١) في (د): (له أفضل)، وقوله: (له) سقط من (ب).
(٢) والمذهب عند الحنابلة: أن التمتع أفضل، ثم الإفراد. ينظر: الإنصاف ٣/ ٤٣٤.
تتمة: اختار شيخ الإسلام: أن القران مع سوق الهدي أفضل من تمتع بلا سوق للهدي. ينظر: مجموع الفتاوى ٢٦/ ٩٠.
(٣) ما بين معقوفين سقط من (د).
(٤) ومن ذلك ما أخرجه البخاري (١٠٨٥) ومسلم (١٢٤٠) من حديث ابن عباس ﵄، قال: «قدم النبي ﷺ وأصحابه لصبح رابعة يلبون بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة إلا من معه الهدي».
(٥) أخرجه مسلم (١٢٣٢) من حديث أنس ﵁.
1 / 25