والأعراب من هذه حاله، ومن كل من خاف مطالبة علي عليه السلام فيها اختان به وخباه من عمال عثمان وأتباعهم ومن تسبب بأسبابهم، وعلموا أنه لا يقرب من علي عليه السلام إلا من تعفف وتنزه وتقشف، ورأوا عطايا معاوية لمن نزع إليه، وتوسيعه من الدنيا على من صار إليه وفشى ذلك عنه، وكاتب من صار إليه بذلك من خلفه من أصحابه، ولذلك قال خالد بن المعتمر وقد صار إلى معاوية (1) وكان مع علي عليه السلام لعلي بن هيثم يستدعيه، وكان صاحب له وخلفه مع علي عليه السلام: يا علي انظر لنفسك وعشيرتك، ما تأمر في رجل قد كنت رأيت مقامي عنده، فسألته يوما وقد رأيت ضيق حال ابنيه الحسن والحسين أن يزيد شيئا يسيرا في عطائهما، فأبى من ذلك وتجهم لي فيه وأغلظ القول علي له، فهل ينفعك من لم ينفع ولده.
فلم يكن يصبر مع علي عليه السلام إلا أهل الورع والبصائر، والذين آثروا الصبر على مرارة الحق فيما سر وساء وأسخط وأرضى، وأطرحوا عاجلا أمر الدنيا.
ومن ذلك: أن أنصار علي عليه السلام على معاوية كان أكثرهم أهل العراق، وهم أهل تمييز وفطن وعقول ورأي ونظر وفحص وتأويل، فمن أجل ذلك دخل عليهم ما دخل يوم رفع المصاحف في الحكمين، وعارضوا عليا عليه السلام في كلا الأمرين، وعلى ذلك قبائل العرب وأهل العراق إلى اليوم.
وأصحاب معاوية أتباع دنيا، فمن أصابوها عنده رضوا بها عوضا مما سواها، وعامتهم أهل الشام أبعد الناس أذهانا وأنقصهم عقولا وأقلهم أفهاما، وأطوع الناس لمن ملكهم، وأكثرهم تسليما لمن ولي أمرهم، وأقلهم تمييزا وفحصا، ولذلك عدلوا معاوية بعلي عليه السلام وحاربوه معه.
ومن ذلك: أن أصحاب علي عليه السلام نهكتهم الحرب، وطالت عليهم الشقة، ولم
Bogga 277