[الداهية عمرو بن العاص]
ولما رآه عمرو بن العاص وما نقم الناس عليه وأجمعوا له فيه، خرج إلى أرض له بفلسطين، حتى أتاه الخبر أن عثمان قتل وبايع الناس عليا عليه السلام، ولما أراد اللحوق بمعاوية استشار ابنيه عبد الله ومحمدا، فقال له عبد الله: يا أبت أرى لك أن تتق الله وتلزم بيتك حتى يجتمع الناس على أمر فتدخل فيه، فإنما أنت هامة اليوم أو غد.
وقال له محمد: أنت ناب من أنياب العرب وشريف من أشرافها لك حظك منها ونصيبك، فلا أرى لك أن يختلف العرب في هذا الجسيم من أمرها وأنت معتزل في بيتك، حتى تأخذ نصيبك ممن يصير ذلك إليه.
فقال عمرو: أما أنت يا عبد الله فأشرت علي بما هو أفضل وأسلم لي في أمر آخرتي، وأما أنت يا محمد فأشرت علي بالذي هو انبه لذكري وأفضل في أمر دنياي.
ثم توجه نحو معاوية فألفاه قد داخل أهل الشام بالملاطفة لهم والتحبب إليهم، يعود مرضاهم ويتفقدهم ويحضر جنازتهم، ويجلس لهم فيعظهم ويرغبهم في القيام بدم عثمان ويقول: أنتم خير قوم من المسلمين قمتم في دم خليفتكم المظلوم وأنتم وأنتم، ويذكر لهم ثواب ذلك بزعمه ويرغبهم فيه.
فأقام عنده عمرو أياما ليجد عنده ما أراده، فقال له ابنه عبد الله: والله ما أرى معاوية يشتغل بك، فقد أهلكت دينك ولا أراك أصبت دنياك وكان يرجوا أن يفرق بينه وبين معاوية ويصرفه عنه.
فقال: دعني حتى أبانيه.
فخلا به يومئذ فقال: يا معاوية لا تنزلني منزلة طغام أهل الشام الذين تستميلهم بقصصك عليهم غدوة وعشية، تخبرهم أنهم يطلبون بدم خليفة من خلفاء الله قتل مظلوما، وتخبرهم أنه من مات منهم دخل الجنة ومن عاش عاش على خير مجاهد في سبيل الله ما الأمر على ذلك، وأن من مات على ما أنت ونحن عليه معك لإلى
Bogga 270