فكان من الواجب عليه أن لا يتبعنا على الخطأ، ولكن يمضي على الصواب وهو قول صاحب الكتاب (1).
وهو لم يخطأ عليه السلام كما نسبوا الخطأ إليه، ولكنهم هم أخطئوا أولا وآخرا بمخالفته، ولم يدع أحد أن عليا صلوات الله عليه حكم الحكمين على أن يخلعاه إن أحبا، وإنما حكمهما على أن يحكما بكتاب الله الذي دعا إلى الحكومة به معاوية وأصحابه، إذ علم علي أن الكتاب يحكم له ولم يكن في شك من ذلك ولا على جهل به، ولم يكن صلوات الله عليه خدع هو في ذات نفسه ولا مكر به، لأن رفع المصاحف لم يخف عنه المراد به فيلزمه حكم المخدوع، وإنما يلزم ذلك أبا موسى، وقد برأه الله من خطائه وما اقترف، كما برأ رسوله من فعل خالد بن الوليد فيما سلف، وليس المكر من أخلاق المؤمنين ولا الخديعة من شيم الصالحين، ولا أعلم أحدا مدح بالمكر فاضلا في دينه، ولا وصف بالحيل والخدائع بالباطل صالحا في نفسه.
والمكر والخديعة عار ونقص على من أتاهما في أبواب الباطل، قد يكن قد تهيأ لمعاوية بهما ما أراد من ذلك، فهو عار عليه ونقص له، وحكم الحكمين يدفع القتل والقتال عن الفئة الباغية، ولم تفيء إلى أمر الله خلافا لكتاب الله، وما خالف كتاب الله فهو رد، وأعظم من ذلك خلعهما فيما زعما عليا عليه السلام وهو إمام مفترض الطاعة، وحكم المحكم كقضاء القاضي لا يجوز منه ما خالف الكتاب والسنة.
والإمامة أمر من أوامر الله عز وجل وفرض من فروضه لا تستحق بتسليم من سلمها، ولا بتغلب من تغلب عليها، ولا بإعراض من تركها أو أعرض عنها، لأنها شعبة من شعب النبوة قد أمر الله عز وجل بطاعة أوليائه كما أمر بطاعة أنبيائه، فكما أن النبوة لا تغتصب ولا تسلب ولا تسلم ولا تفوض فكذلك الإمامة، وكذلك يجري
Bogga 259