وخالف في ذلك الأشاعرة مستدلين بالعقل والنقل.
أما العقل فهو أنه لو وجب لوجب إما لفائدة أو لا لفائدة ، والثاني عبث ، والأول إما أن يكون الفائدة فيه عاجلة أو آجلة ، والأول باطل لأن الحاصل عاجلا إنما هو التعب ، والثاني باطل لأن حصول تلك الفائدة ممكن من دون النظر ، فتوسط وجوب النظر عبث.
وهذه اقوى شبههم النافية للوجوب العقلي الذي تدعيه المعتزلة في أكثر الواجبات.
وأما النقلي فقوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) (1) نفي التعذيب من دون البعثة فلو وجب شيء بالعقل لحصل العذاب وإن لم يوجد الرسول.
ثم عارضونا بما أبطلنا به مذهبهم فقالوا : إن وجوب النظر وإن كان عقليا عندكم الا أنه نظري ويلزم من ذلك الإفحام.
والجواب أن الوجوب لا بد له من فائدة آجلة هي تحصيل الثواب ، قوله : إنه ممكن من دون النظر ، قلنا : لا نسلم فان الثواب انما يكون بواسطة العمل.
وأما الآية فلها تأويلان : أحدهما أن المراد من الرسول (2) العقل ، الثاني أن (3) المراد : وما كنا معذبين على الواجبات السمعية حتى يبعث رسولا.
وطريق الخلاص عن المعارضة أن وجوب النظر وإن كان نظريا الا أنه فطري القياس ، وقد أوضحنا ذلك في كتاب «معارج الفهم» (4).
Bogga 191