من ضباط جيش إبراهيم.
سعيد:
خادم أمين بك.
المملوك الشارد
جبل لبنان
جبل لبنان: سلسلة جبال شامخة، يشرف على البحر الأبيض المتوسط، وتفصله عنه شواطئ سوريا، وهو آهل بالعشائر، تكسوه المزارع والغياض، ويلبسه الثلج عمامة بيضاء على مدار السنة. وقد كانت حكومته إلى منتصف القرن الماضي في قبضة أمراء من عشائر مختلفة، ينتهي نسب أكبر عشيرة منهم إلى لؤي بن كعب من قريش، وهؤلاء هم الأمراء الشهابيون أو بنو شهاب.
وقد حكم الأمراء الشهابيون في لبنان أكثر من سائر العشائر الأخرى، وكان مركز حكومتهم غالبا بلدة دير القمر، وهي واقعة غربي الجبل المذكور، في سفح مشرف على واد خصب، يفصلها عن سفح آخر مقابل له، ويحيط بها كغيرها من قرى لبنان بساتين مغروسة بالكرم والتين والتوت وغيرها.
وفي أواخر القرن الثامن عشر، اتصلت إمارة هذا الجبل بالأمير بشير الشهابي، المعروف بالمالطي والمشهور بعلو الهمة والشجاعة وعظم الهيبة، حتى إن كثيرين كانوا لا يقوون على التأمل في وجهه والوقوف بين يديه أو التكلم في حضرته، دون أن يقع الرعب في قلوبهم، والرعدة في فرائصهم، مع ما عرف به اللبنانيون من قوة البدن ورباطة الجأش.
وكان في السفح المقابل لدير القمر قرية صغيرة، تدعى بيت الدين، فيها معبد لطائفة الدروز، فابتاعها الأمير بشير، وابتنى فيها دورا ومتنزهات له ولأولاده، وأحضر إليها المياه فأصبحت من أبهى المتنزهات منظرا، وأحسنها هواء.
وقد عرف الأمير بشير بتيقظه الدائم وتعهده راحة الرعية. وكانت له فراسة خاصة في معرفة الأشخاص وأطوارهم، فكثيرا ما كان يكتشف الجاني بمجرد النظر إليه، وتأمل حركاته، ويروون عنه في ذلك أحاديث أشبه بالخرافات منها بالحقائق، يتحدث بها العامة والخاصة. وقد كان في جملة مساعيه لحفظ السلام، ومنع التعدي، اختيار رجال اختبر شجاعتهم وحذقهم، وبثهم في تلك الأودية، يتربصون في مخابئها، يراقبون حركات الناس، فإذا خرج أحد في حاجة من قرية إلى أخرى، تراقب عيون أولئك المتربصين حركاته، وربما رافقوه كل طريقه وهو لا يعلم، وفي صباح الغد يأتون إلى الأمير ويخبرونه بما شاهدوه وعلموه، فكان بذلك على بينة من جميع أحوال رعيته، وكان ذا ذاكرة وقادة لا تفوته فائتة، حتى قيل إنه موجود في كل مكان، فساد الأمن على عهده في جبل لبنان حتى إن النساء والأطفال كانوا يخرجون ليلا ونهارا وفي أيديهم المال، يسافرون من بلد إلى آخر، ومن مقاطعة إلى أخرى، لا يخشون حرجا ولا يخافون معتديا.
Bog aan la aqoon