واستيقظت في الصباح وأنا أشعر بالبرد والجوع وأرتجف، وقد ملأت جسمي لدغات البعوض، واستغرقت لحظات في تذكر أين كنت وكل ما حدث لي. وغلبني فجأة إحساسي بأهوال الواقع المرير هولا بعد هول: وحدتي التامة، وانفصالي عن أمي وأبي، والأخطار المحيقة بي.
وبكيت بصوت عال لما أنا فيه من شقاء، حتى أدركت أن ستلا قد ذهبت، فخرجت أجري من الكهف، لكنني لم أجدها في أي مكان. ناديتها، وأصخت السمع، ولكن قرود الجيبون فقط هي التي أجابتني، ثم استدرت فرأيتها. كانت تقف على الصخور العالية المطلة على الكهف، شبه مختفية عن نظري، ومع ذلك فقد استطعت أن أرى أنها قد انحنت برأسها على الأرض. كانت بوضوح تركز اهتمامها على شيء ما، ومن ثم صعدت الصخور لاستجلاء الأمر.
سمعت صوتها وهي تشرب قبل أن أصل، إذ كانت تلعق الماء بانتظام وبصوت عال كشأنها دائما، بل إنها لم ترفع رأسها حين اقتربت منها، وعندها رأيت أنها تشرب من وعاء صغير؛ وعاء من الصفيح القديم، ثم لاحظت وجود شيء غريب على رف مسطح من الصخر فوقها.
وتركت ستلا تهنأ بالارتواء وتسلقت صخورا أخرى لفحص الموضوع. كان على الرف وعاء آخر به ماء، وبجواره بعض خوص النخيل المرصوص على الصخرة وشبه مغطى بوعاء مقلوب من الصفيح. وجلست وشربت الماء فورا دون أن أتوقف لالتقاط أنفاسي. لم أشرب في حياتي ماء أطيب مذاقا من هذا الماء. كنت لا أزال ألهث، لكنني أزحت الغطاء الصفيح. سمك! شرائح رقيقة من السمك الأبيض شبه الشفاف، عشرات منها، مصفوفة بعناية فوق الخوص، وخمس أو ست بل سبع موزات حمراء صغيرة. موز أحمر!
بدأت بأكل السمك، متلذذا بكل شريحة ثمينة على حدة، لكنني كنت، حتى أثناء الأكل، أنظر حولي بحثا عن أي ارتجاف لأوراق الأشجار على حافة الغابة ينبئني بما وراءه، أو عن آثار أقدام في الرمال. لكنني لم أر شيئا. ولكن لا بد أن شخصا ما قد أحضر هذا كله من أجلي، لا بد أن يكون هناك شخص ما، لا بد أن شخصا ما يراقبني. ولم أكن واثقا إن كان علي أن أخاف من هذا الاكتشاف أو أن أطير فرحا به.
لكن ستلا كانت تقاطع أفكاري. كانت تصدر نشيجا يثير الأسى وهي واقفة تنظر إلي من الصخرة من تحتي، وكنت أعرف أنها لا تطلب الحب أو التسرية. كانت تلتقط كل شريحة سمك ألقيها إليها، وتلتهمها دفعة واحدة وتنتظر شريحة أخرى، وقد مال رأسها إلى جانبها، وانتصبت إحدى أذنيها. وبعد ذلك كنت آكل شريحة وألقى لها بشريحة. لم تكن نظراتها المستعطفة تسمح لي بغير هذا.
لم يكن السمك مطبوخا، لكنني لم آبه. لم يكن جوعي الشديد يسمح لي بأن آبه، وكذاك كانت ستلا. أما الموز الأحمر فقد احتفظت به لنفسي. وأكلت جميع الموزات. لم تكن مثل الموز الذي اعتدناه في الوطن، بل كانت ذات مذاق أحلى بكثير، وأكثر عصارة، وأشهى وألذ كثيرا. كان يمكنني أن آكل عشر موزات أخرى.
وعندما انتهيت من الطعام وقفت وألقيت نظرة فاحصة على الغابة. إن من أسدى إلي هذا المعروف - مهما يكن، ورجلا كان أو امرأة - لا بد أن يكون قريبا مني. كنت واثقا أنه لا يوجد ما يدعوني للخوف. وكان علي أن أتصل به اتصالا ما، فوضعت يدي كالبوق حول فمي وجعلت أهتف مرارا «شكرا لك! شكرا لك! شكرا لك!» وترددت أصداء كلماتي في أرجاء الجزيرة. وفجأة سرت الحياة في الغابة وانطلقت الأصوات: نشاز عظيم من الغناء والنعيب والعواء والنعيق والنقيق. وجعلت ستلا ترد عليها بنباحها الشديد. وأما أنا فأحسست بالفرح، والزهو، والسعادة، والنشوة. وجعلت أتواثب وأنا أضحك وأضحك، حتى تحولت ضحكاتي إلى دموع الفرح. لم أكن وحدي في هذه الجزيرة! ومهما يكن ذلك الشخص فهو يضمر لي الود. وإلا فلماذا أطعمنا؟ ولكن لماذا لا يظهر نفسه؟
وقلت في نفسي إنه لا بد أن يعود ليأخذ الأوعية. وقررت أن أترك له رسالة. وجدت حجرا حاد الطرف فانحنيت، ونقشت رسالتي على الصخرة بجوار الأوعية، وهي: «شكرا لك. اسمي مايكل. سقطت من سفينة. من أنت؟»
وقررت بعد ذلك أن أبقى على الشاطئ طول ذلك النهار، قريبا من كهفي والصخرة التي تطل عليه حيث ترك صاحبنا السمك لنا . لا بد ألا تغفل عيني عنها، حتى أستطيع على الأقل أن أشاهد الذي ساعدني.
Bog aan la aqoon