ولما كانت ضريبة العشر معقولة، فللوقوف الآن على مبلغ الخراج يتعين علينا أن نحدد ما يأتي: (1)
مساحة الأرض المزروعة. (2)
المحصول. (3)
عدد السكان.
المبحث الأول
إن المساحة المزروعة في مصر كانت في الزمن القديم كما هي الآن محصورة بين صحراء العرب من الشرق وصحراء لوبية من الغرب، فهي هي لم يطرأ عليها تغيير منذ تكوينها، أما الذي طرأ عليه التغيير فهو السطح المزروع فعلا، وقوة الإنتاج فيه، فكلا هذين كثر أو قل، وقوي أو اضمحل تبعا للعناية أو الاهمال في أمر إنشاء الترع وصيانتها، وبالتبعية أيضا للسكان من حيث زيادتهم أو قلتهم.
والمساحة المعدة للزراعة بالفعل الآن هي 5615700 فدان، وجميع هذه المساحة - وهي بلا مراء أخصب أراضي مصر - كانت مزروعة في الأزمان القديمة، بل كان المزروع في تلك الأزمان أكثر من هذه المساحة، وينبغي ألا يخامرنا أقل شك في ذلك، وأنصع برهان عليه الأكوام الكثيرة في شمال الدلتا التي هي أطلال مدن كانت في العصور الغابرة منتشرة في تلك الناحية، وهذه المنطقة كانت أقل خصبا في الزمن السالف من الأرض المعدة للزرع الآن بلا ريب، والبرهان على قلة خصبها هو أن سكانها جلوا عنها في مقدمة المناطق التي نزح عنها أهلها. فوجود هذه التلال فيها برهان قاطع على أنها كانت مزروعة، وإلا ما استطاع ديار أن يقطنها، ولكانت كما هي الآن غير مسكونة، فهذا الجزء القاحل والخالي الآن من الزرع والضرع كان إذن في العصور الماضية مزروعا، وكان بالضرورة ينتج ما يفي بحاجات عدد كبير من السكان.
ومما يجب ألا يغيب عن الأذهان وأن يوضع نصب الأعين، وجود كثير من المناطق في القطر المصري الآن عدد سكانها أقل مما يجب أن يكون، حتى يصبح في حيز الاستطاعة القيام بزرعها بصفة مرضية. فلو لم يكن السكان في العصور المنصرمة كانوا أكثر عددا منهم الآن لما كان هنالك حاجة لفلاحة المنطقعة القاحلة السالف ذكرها، وفوق ذلك كان هؤلاء السكان لقلتهم يعجزون عن تهيئة هذه المنطقة وزرعها، وهذا البرهان الذي سقناه على أن عدد السكان في تلك الأزمان كان أكثر منهم في عصرنا هذا غير قابل للجدل.
أما عدد الأفدنة التي كانت تزرع في الأيام الخالية فلا نظن أننا مبالغون إذا قدرناه بستة ملايين فدان، بضم 384300 فدان إلى ال 5615700 فدان المزروعة الآن، لتكون الستة ملايين عددا إجماليا بصرف النظر عن الكسور التي لا يخلو منها الحال عادة.
هذا هو مقدار كمية الأفدنة التي كانت تزرع في الأزمنة الفرعونية.
Bog aan la aqoon