فلما ترك اللورد كما تقدم مشى بين الأدغال إلى أن وصل إلى مكان اكتظت فيه الأشجار، فوجد هناك رجلا هائل الخلقة كأنه من الجبابرة، وهو نوري من طائفة جان كانوا يلقبونه بشمشون لشدة قوته.
وكان هذا الرجل مضطجعا على العشب، فلما رأى جان نهض مسرعا ووقف بين يديه بملء الاحترام، فقال له جان: متى أتيت يا شمشون؟
قال: منذ ساعة أيها الرئيس. - ألم يرك أحد حين خرجت من محلة الطائفة؟ - كلا. - هل أتيت بمركبة النقل؟ - إنها هنا وراء الشجرة. - حسنا فاعلم الآن أننا سننقل على هذه المركبة من الذهب والحجارة الكريمة ما لا يوجد بعضه في خزائن الملوك؛ فإني كنت أبحث عن هذا الكنز في الليل والنهار. - هل وجدت مكانه يا سيدي؟ - نعم؛ فإن هؤلاء الحكام يحسبون أنهم تمكنوا من الشعب، فإنهم سادوا عليهم ولكنهم لا يطيعونهم إلا مكرهين، وهم لا يحلمون إلا بالاستقلال، ولكن لا بد لهم من المال الكثير، ولذلك فقد اجتمعت كلمة هذا الشعب بجملته على حشد الأموال، فجعل الغني والفقير والتاجر والعامل يضع كل منهم ما يتيسر له اقتصاده في صناديق خاصة بالمعابد كتب عليها صناديق الإحسان، فيطوف كل يوم أحد كهنتهم فيجمع هذه الأموال ويأخذها في كل أسبوع، فيذهب في ظلام الليل إلى غابة. وهناك يجد كاهنا آخر في انتظاره فيأخذ منه الأموال ويقول له: اذهب واحذر أن تلتفت إلى الوراء.
فقال له شمشون: وهذا الكاهن إلى أين يذهب بالمال؟
قال: يذهب به إلى كاهن ثالث فيأخذه منه إلى مكان سري لا يعرفه سواه. وهذا السر لا يعرفه في جميع الهند غير ثلاثة من البراهمة وامرأة تحرس الكنز في الليل والنهار، وسأعرف هذا السر بعد ساعة. - كيف ذلك؟ - لقد عرفت أن أحد الكهنة سيأتي في هذه الليلة بما جمعه من المال. - كيف عرفت؟ - إن هذا الرجل الذي سيأتي الآن يتنكر في النهار بشكل عازف بالقيثارة، ويطوف مع إحدى الراقصات في شوارع كلكوتا، حتى إذا أقبل الليل خلع تنكره وعاد إلى حقيقته، فهو من أعظم الزعماء وأحد العارفين بسر الكنز، وقد سمعته في صباح اليوم يحدث الراقصة بهذا الشأن، فعلمت من الحديث أنه سيأتي في هذه الليلة إلى نبع الآلهة أموردافالي، وهو على قيد بضع خطوات من هنا. - ولكن أي شأن لي أنا في هذه المهمة؟ - إنك سترى هذا الرجل حين يأتي فتتبعه وتسير ورائي على بعد مائة خطوة.
وعند ذلك سمع جان وقع خطوات فقال لشمشون همسا: إنك تعلم بأني أقلد صوت عصفور الليل فابق الآن هنا إلى أن تسمعني أقلد ذلك الصوت فتأتي إلى جهة مصدره.
وقد مشى جان فوق الأعشاب إلى أن وصل إلى بقعة لا شجر فيها فنظر إلى تلك الجهات التي كان ينيرها ضوء القمر، فرأى شبحا أبيض واقفا بعيدا تحت شجرة كبيرة، فقال في نفسه: لا شك أنه شبح الكاهن الذي ينتظر.
وقد سار من ورائه حتى وصل إلى تلك الشجرة واختبأ وراءها، فلم تكن غير هنيهة حتى رأى العازف بالقيثارة قد وصل وسمع الكاهن صاحب الثوب الأبيض يسأله قائلا: بماذا أتيت أيها الأخ؟
فأجابه قائلا: بكيسين من الذهب.
قال: هاتهما واذهب وإني أسأل آلهة الهند أن يرافقوك في طريقك، فأعطاه الكيسين ثم انحنى إلى الأرض فقبل طرف ثوبه الأبيض، فقال له الكاهن: اذهب والويل لك من غضب الآلهة إذا التفت إلى الوراء فانصرف الرجل ممتثلا دون أن يلتفت.
Bog aan la aqoon