Malatiyya Sufiyya Ahl Futuwwa
الملامتية والصوفية وأهل الفتوة
Noocyada
كي نسبحك كثيرا ، قال:
ولقد مننا عليك مرة أخرى ، أي كيف يجوز أن تعد علي تسبيحك وتكبيرك وتنسى ما كان مني إليك من أنواع الفضل في قوله:
واصطنعتك لنفسي
الآية، وأنت تعد علي تسبيحك والكل مني إليك. وسئل بعضهم: لم أذللتم أنفسكم وأظهرتم منها ما لامكم عليه الخلق؟ قال: لأن النفس خلقت مهانة من ماء مهين ومن حمأ مسنون، فأورثت فيها مخاطبة الحق معها عزا، فتعززت بذلك، ولم تعلم أن العزيز فيها ما [هو] ملحق مستودع [بها] لا ما هي مجبولة عليه، فإن تركت النفس في تعزيها ترعنت، وخرجت من حدها، ورسخت في طبعها. فالموفق من العباد من أراها من قيمتها، فأعلمها أن جميع ما يتصل بها من أعمالها وأحوالها مذموم، لئلا تسكن إلى شيء ولا تفتخر بشيء؛ لأن العزيز منها ما لله فيها من كريم ودائعه وجميل نظره وفوائده. وقال بعضهم: من أراد أن يعرف رعونة النفس وفساد الطبع فليصغ إلى مادحه، فإن رأى نفسه خرجت عن الحد بأقل قليل فليعلم أنه لا سبيل لها إلى الحق؛ لأنها تسكن إلى ما لا حقيقة لمدحه، وتضطرب من ذم ما لا حقيقة لذمه، فإذا قابلها في الأوقات بما تستحق من التذليل لم يؤثر فيه مدح مادح، ولم يلتفت إلى ذم ذام، حينئذ يدخل في أحوال «الملامة». قال أبو يزيد: كنت اثني عشر عاما حداد نفسي، وخمس سنين مرآة قلبي، وسنة كنت أنظر فيما بينهما، فنظرت فإذا في باطني زنار، فعملت في قطعه خمس سنين أنظر كيف أقطعه، فكشف لي، فنظرت إلى الخلق فإذا هم موتى ، فكبرت عليهم أربع تكبيرات، قال الله تعالى:
أموات غير أحياء وما يشعرون
فهذا من رسوم القوم وأخلاقهم. وأبو يزيد في حالته يخبر عن نفسه بمثل هذا، وهو إمام أهل المعرفة وقائدهم، يعمل كل هذا ويروض نفسه حتى يرى الخلق بعين الفناء فيسقط عنه رؤيتهم والتزين لهم، فهذا من جليل مقاماتهم. قال الله تعالى:
أومن كان ميتا فأحييناه ، قالوا فيه ميتا بنفسه ونظره إلى الخلق، فأحييناه بنا وبإسقاط الخلق منه [51أ]. وقال أبو يزيد رضي الله عنه: أشد الناس حجابا عن الله ثلاثة: عالم بعلمه، وعابد بعبادته، وزاهد بزهده. فأما العالم فلو علم ماذا علم، وأن علم الخلق كلهم وما أخرجه الله تعالى إلى الخلق لا يكون سطرا من اللوح المحفوظ، ثم ماذا علم من جملة العلوم التي أخرجها الله تعالى إلى الخلق، يعلم أن التكبر بذلك والتزين به خطأ محض. والزاهد لنفسه إن علم أن الله تبارك وتعالى يسمي الدنيا بأسرها «قليلا»،
57
فكم ملكه من ذلك القليل، وفي كم زهد فيما ملك، يعلم أن زهده فيما ملك ليس مما يوجب الافتخار به. والعابد لو عرف منة الله تعالى عليه فيما أهله له من عبادته، لذابت رؤيته لعبادته في جنب ما يرى من منن الله تعالى عليه. وسئل بعض مشايخهم: كيف يعمل الإنسان فلا يقع له رؤية ولا مطالبة؟ قال: إذا شغله فرحه بالأمر وأنه مأمور به من جهة الحق، ويقع على قلبه هيبة الأمر فتشغله هيبة الأمر وفرحه بالأمر عن النظر إلى شيء مما يظهر عليه وما يبدو منه. وسئل بعضهم: ما بال هؤلاء لم يحققوا لأنفسهم حالا، ولم يظهروا لها طاعة ، ولم ينسبوا إليها شيئا ولم ينتهوا إلى شيء؟ فقال: كيف يتحقق لها شيء وهي لا شيء؟ وما كان لها من شيء فهو عارية مؤداة، فإذا تحقق العطاء لا يحتاج إلى إظهاره، فإن الحقيقة ناطقة عنها وإن كتمها. قال بعض السلف: كاد وجه المؤمن أن ينطق بما في قلبه. وأكثر مشايخهم حذروا أصحابهم أن يجدوا طعم العبادة والطاعة؛ فإن ذلك من الكبائر عندهم، فإن الإنسان إذا استحلى شيئا واستلذه عظم عنده وفي عينه، ومن استحسن من أفعاله شيئا واستلذه أو نظر إليه بعين الرضا فقد سقط من درجة الأكابر. وقال: سمعت عبد الواحد بن علي السياري
58
Bog aan la aqoon