النجم فى قوله تعالى: "وأنه هو أضحك وأبكى*وأنه هو أمات وأحيا ".
ثم قال تعالى بعد: "وأنه هو أغنى وأقنى*وأنه هو رب الشعرى ".
فورد فى هذه الجمل الاربع الفصل بالضمير المرفوع بين اسم ان وخبرها ليحرز بمفهومه نفى الاتصاف عن غيره تعالى بهذه الأخبار وكان الكلام فى قوة أن لو قيل: وأنه هو لا غيره وذلك أنه لما كان يمكن المباهت الجاحد ادعاء هذه الأوصاف لنفسه مباهتًا ومغالطًا كقول طاغية إبراهيم ﵇ جوابًا لإبراهيم ﵇ حين قال: "ربي الذي يحيي ويميت " فقال الطاغية مباهتًا ومخيلًا لأمثاله: أنا أحيي وأميت فأوهم بفعلة يطلق عليها هذه العبارة مجازًا بقتله من لم يستوجب القتل وتسريحه من وجب عليه القتل وهذا جار فى هذه الجمل المفصول فيها بالضمير فأتى به لما ذكر ولم يرد هذا الضمير فى قوله تعالى: "وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى "لأن ذلك مما لا يتعاطاه أحد لا حقيقة ولا مجازا وبالاعتراف بذلك أخبر تعالى عن عتاة الكفار العرب وغيرهم حين قال تعالى: "ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله " وكذلك قوله تعالى: "وأنه أهلك عادًا الأولى " لكون اهلاك القرون المكذبة مما لا يمكن أن ينسب لغير الله تعالى فلم يعرض فى هذا مفهوم يحتاج التحرز منه لم يرد هنا فصل بضمير كما ورد فيما تقدم.
وإذا تأملت القطع فى صفات الثناء والمدح وجدت ما مهدناه جاريًا على هذا، ألا ترى أنك إذا قلت: مررت بزيد العلم، فاتبعت الصفة لموصوفها مع كون الصفة صالحة لمن أجريت عليه ولغيره لم يكن ذلك ليدفع غير زيد عن مشاركته فى صفته التي أجريتها عليه، فإذا قطعت قلت: ممرت بزيد العلم هو، برفع الصفة على تقدير مبتدأ أي هو العلم أحرز ذلك الضمير المبتدأ بمفهومه أن غير زيد ليس بعالم أو أنه ليس كزيد وكأنك قلت هو العلم لا غيره كما فى الآي المتقدمه، وكذا القطع فى النصب من غير فرق.
فإذا كانت الصفة لم تخص من جرت عليه لم يكن هناك مفهوم محرز منه فلم يكن القطع ليحرز هنا فائدة فلم يحتاج إليه وعليه ورد السماع كما تقدم فقد تعاضد السماع والقياس كما بينا ووجب الاتباع فى قوله تعالى: "الحمد لله رب العالمين " وهو مما لم يتعرض له أحد بما يخاص مع لزوم الجواب عنه.
الآية الثالثة: من أم القرآن قوله تعالى: "الرحمن الرحيم " فيها سؤال واحد وهو أن يقول القائل: ما وجه الفصل بهاتين الصفتين العليتين من قوله: "الرحمن الرحيم " بين الصفتين المقتضيتين ملك الدارين بما فيها وهما "رب العالمين "
1 / 19